بمناسبة ذكرى ميلاد الامام المهدي عليه السلام نستعرض لكم وضمن ثلاث حلقات لبحث تفسيري للاستاذة الفاضلة ام منتظر الاحمد
الحلقة الأولى :
الامام المهدي هو الداعي الذي لا عوج له
قال تعالى (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا))
أجمع المفسرون على أن هذه الآية تخص يوم القيامة وأن الداعي الذي لا عوج له هو إسرافيل (ع) حيث ينفخ في الصور فيتبعه الخلق. مستدلين بسياق الايات التي سبقت هذه الآية، قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلً)ا
وقبل الوقوف على بيان أبعاد الآيات الشريفة سنقف على قول المفسرين ولنقتصر على تفسير الامثل لاية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي حيث يقول في بيان الظواهر المرتبطة بدعوة الداعي :
اولا :نسف الجبال
يُفهم من الآية الأولى أنَّ الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله حول مصير الجبال عند نهاية الدنيا، إذ لعلَّهم لم يكونوا يصدقون أن تنهار موجودات عظيمة لها جذور في أعماق الأرض ومرتفعة إلى السماء أو تكون قابلة للتزلزل، وإذا حلَّ بها ذلك فما هي تلك الريح العظيمة أو العاصفة الهوجاء أو الطوفان الكبير الذي يقوم بذلك؟ لذا يقول تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ﴾. فيقول في الجواب: ﴿فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا﴾. ومن مجموع الآيات القرآنية حول مصير الجبال نستفيد ما يلي: على أعتاب القيامة تمرُّ الجبال بمراحل مختلفة هي: أولاً: مرحلة الرجفة: حيث يقول تعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ﴾(المزمل: 14). وفي المرحلة الثانية: مرحلة السير والحركة: يقول تعالى: ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾(الطور: 10). في المرحلة الثالثة: مرحلة التلاشي والتحوّل إلى ركام من الرمل: حيث يقول تعالى: ﴿وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا﴾(المزمل: 14). وفي المرحلة الأخيرة: تقوم الرياح والعواصف بتحريكها من أماكنها ونشرها في السماء كالعهن المنفوش (أي الصوف المفرَّق): حيث يقول تعالى: ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ﴾(القارعة: 5).
اما النسف يعني تسويتها بالأرض. وليس التلاشي.
ثانيا :استواء الأرض
ثمَّ تذكر الآية بعد ذلك، أنَّ الجبال بعد أن تتلاشى وتتذرّى ذراتها في الفضاء فإنَّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا﴾(طه: 106) أي: إنَّ سطح الأرض يتحوَّل إلى أرض مستوية بلا ماء أو نبات، بحيث لا يوجد فيها أي اعوجاج أو تضاريس يمكن ملاحظتها ،بدليل قوله : ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾(طه: 107).
ثالثا- دعوة الداعي
وفي هذه الأثناء يدعو داعي الله عزّ وجلّ الناس إلى الحياة والجمع في المحشر والحساب، فيجيبون هذا الداعي بدون أي تباطؤ أو تقصير ويتَّبعونه، يقول تعالى واصفاً ذلك: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ﴾. فهل هذا الداعي هو إسرافيل أو ملاك آخر من ملائكة الله عزّ وجلّ او غيرهم ؟
رابعا- الخشوع للرحمن
عندها يحدث ما يلي: يقول تعالى: ﴿وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾(طه: 108). وإنّ هذا الصمت ليس إلا نتيجة سيطرة العظمة الإلهية على مشهد الحشر، حيث يخضع لها الجميع، أو يكون السبب الخوف من الحساب والكتاب ونتيجة الأعمال أو يكون سبب هذا الصمت المطبق كلاهما معاً.
خامسا :الشفاعة كنز الآخرة
هل من الممكن للأشخاص الذين ارتكبوا المعاصي أن ينالوا الشفاعة من قبل شفعائهم؟ هنا يأتي الجواب مستقيماً بقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ وفي ذلك إشارة إلى أنَّ الشفاعة لا تأتي عبثاً بل بناء على برنامج دقيق يشمل الشفيع والمشفَّع له، إذ لا معنى للشفاعة إذا لم يكن بعض الناس أهلاً لتلك الشفاعة.
وبعد هذه الإطلالة السريعة على اقوال النفسرين نقول :
إن هذه الايات لا تدور حول احداث يوم القيامة بل الحقيقة الآية تخص أمراً يقع في الأرض قبل القيامة بأمد طويل،
وتفسيرهم ليس غريباً، لانهم اعتقدوا ان الساعة واحداثها واحدة " إذ أننا نرىفي تفاسيرهم أن كل واقعة هي عندهم (يوم القيامة) وكل شرك هو (أصنام قريش)، وكل يوم مذكور في القرآن كيوم الدين ويوم الفصل واليوم الآخر هو تعبير عن يوم القيامة. وهذا خلاف ما جاء في القرآن الكريم نفسه.
ونحن ندعي أن الداعي الذي لا عوج له هو المهدي الذي يدعو الناس إلى دين الإسلام ويدخل الملل كلها إلى ملته فتكون ملة واحدة بدليل القرائن السياقية والآيات الأخرى التي تناقضها.
حيث نجد هناك أموراً في الآية تؤكد ذلك المدعى :
الأول: أرتبط الداعي في الآية بالإتباع- يومئذ يتبعون- واستخدم الإتباع في القرآن كتعبير آخر عن الطاعة والتسليم، ولم يستخدم أبداً لوصف حال يوم القيامة.. فهناك لا يتبعون الداعي بل يساقون سوقاً عاماً زمراً زمراً ومعلوم أن الإتباع عملية هي عكس السوق تماماً. لأن الاتباع اختياري بينما السوق جبري.
الثاني: في يوم القيامة لا تخشع الأصوات بل تختم الأفواه "اليوم تختم على أفواههم" ولا تسمع همساً بل أصلاً "لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا".
الثالث:لا يوصف حاشر القيامة بكونه داعياً لأنه نافخ الصور وسائق إلى الحشر فالداعي استخدم في القرآن فقط للدعوة إلى دين الله في دار التكليف:
"يا قومنا أجيبوا داعي الله..." 31/الأحقاف.
"ومن لم يجب داعي الله فليس بمعجز عن الأرض" 32/الأحقاف.
"وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً" 46/الأحزاب
اما اسرافيل نافخ الصور لا يطلق عليه اسم داع.
.
الرابع: لا يوصف اسرافيل (ع) أنه لا عوج له لأنه من الملائكة الله العظام،الذين تكون استقامتهم أمراً مفروغاً منه فهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون
فيصبح الكلام الوصفي هذا زائداً لا معنى له. وقد أنتبه المفسرون إلى ذلك، إذ يبدو أن هذا هو الذي اضطرهم للقول أن لا عوج له ليست صفة الداعي بل صفة الخلق أي لا أحد يعوج أو يحيد عنه، فكأنهم يريدون القول أن لا عوج له معناه لا عوج عنه- متناسين أن الخالق بإمكانه أن يقول لا عوج عنه لو كان يريد ذلك المعنى.
ثم إن عبارة لا عوج له هي وصف للداعي تنفي وجود أي عوج في عقيدته وسلوكه وقد ذكرت تارة أخرى في القرآن- لإحداث ربط وثيق لا ينفك عن هذا المعنى هو قوله تعالى:
"الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً" !/الكهف.
فلماذا لم يقولوا هنا أن لأعوج له معناه لا عوج عنه؟!. وكذلك عدل القرآن الثقل الاصغر (الامام) لا عوج له.
إذن فالداعي كالقرآن كلاهما لا عوج له وهذا ليس بجديد وهذا يتوافق مع الحديث النبوي :"إني تارك فيكم التقلين. قالوا وما الثقلان يا رسول الله. قال: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فقد أنبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض".
ومن المتفق عليه أن المهدي (ع) من العترة يحكم بأمر الله لا يحتاج إلى بينه ويمده الله بالنصر والملائكة.
لقول النبي (ص) الحديث : "المهدي من عترتي خَلقَه خَلقْي وخُلقُهُ خُلُقي". وعليه يكون الداعي قرين الكتاب وكلاهما لا عوج له.
الخامس: إن الآية التي قبل آية الداعي هي آية النسف:
"ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا". يومئذ يتبعون الداعي.." 107-108/طه.
فربما ظنوا أن النسف لا يكون إلا يوم القيامة، وكان عليهم إذن أن ينتبهوا إلى أمور:
أ. كيف يكون النسف والدك كلاهما يوم القيامة وهما عمليتان مختلفتان تماماً؟ "وحملت الأرض والجبال فدكتا دكةً واحدةً".
ب. لماذا يجعلها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا.. وكأنها هي الأخرى عدلت وذهب عوجها لتلائم حال الداعي الذي لا عوج فيه، في حين وصفت الأرض يوم القيامة أنها تدك، وبحارها تسجر، وإنها تصبح صعيداً جرزا.. إلى غير ذلك من أوصاف التدمير؟
ج. لمن يحدث هذا التعديل للأرض ومساواة سطحها بحيث يخلو من أي عوج ومرتفعات وحفر.. وهو يريد دكها وكبسها وإضرام بحارها نار وزلزلتها يوم القيامة؟
نعم أن الأرض تعدل هكذا للطور المهدوي لتكون مهيأة لإخراج البركات وزيادة المساحات للزيادة العظيمة في الملك خلال أدوار ذلك الطور، فيكون وصفها بخلوها من العوج متناغماً مع وصف الداعي ووصف الرسول الخاتم ووصف الكتاب- الجميع لا عوج لهم.
إن النسف حتى عند قدامى المفسرين هو أشبه بعملية تعرية سريعة، فتتكون بحسب وصف القرآن وتفسيرهم أرضٌ منبسطة ومستوية وخالية من كل ارتفاع وانخفاض (أرضٌ بيضاء)، وكل ذلك يعطى صورة لحدوث مساحات جديدة من الأرض مكان الجبال تكون صالحة للزراعة والسكن لسكان طور الاستخلاف.
السادس: لقد وصفت القيامة في آيات قليلة سابقة عن الآية الآنفة من قوله تعالى "يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين- إلى قوله إن لبثتم إلا يوماً" ووصفت طريقة كلامهم "يتخافتون بينهم" وانتهى السياق القرآني ثم وصَفَ بالفقرة الجديدة كلامهم "وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً".
وهذا التقسيم واضح إذ يراد فيه إبراز عمليتين مختلفتين تماماً واحدة في الأرض والأخرى يوم القيامة.
وختاما :
يجب ان نتدبر آيات القرآن بشكل اعمق لنفهم ان الايات تارة تتحدث عن الحشر الاكبر وتارة عن الحشر الاصغر وتارة عن أحداث الساعة الكبرى واخرى عن احداث الساعة الصغرى ففيهما تتشابه الاحداث من حيث الاسماء وتختلف من حيث زمن الوقوع والآثار ..
المصادر :
1ـ مركز مدرار للبحوث والدراسات الاكاديمية
2ـ تفسير الامثل لآية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
3ـ الطور المهدوي : سبيط النيلي
التعليقات 1
1 pings
عبدالله حسين البراهيم
2020-04-12 في 1:38 ص[3] رابط التعليق
نشكر الاستاذة ام منتظر الاحمد على هذا البحث الدقيق والتدبر العميق ..
ونظيف للدلالة على هذا المنحى من التفسير قول الامام المهدي ع نفسه في دعاء الندبة :
( اين المنتظر لاقامة الامت و العوج )
ومع الاية تكتمل الصورة .. فلا بأس بفهم الاية بالمعنى الظاهري بقصد يوم القيامة واحداثه
اما بالمعنى الباطني الذي لا يدكه الا اولي الالباب بقصد احداث ظهور الامام المهدي وما يقوم
من تسوية النتوءات والتشوهات الفكرية التي لحقت بفطرة الانسان ونسفها واعادة صياغتها
كما ارادها الله لتخشع الارض ومن عليها في نهاية الزمان لربها ولا يسمع الا همس الموحدين
المسبحين ..
وهكذا لا يحتاج الى نسف الجبال قبل يوم القيامة لان فائدة خلقها لم تنتفي ما دامت الدنيا قائمة
فهي مرساها واوتادها وحافظة مناخها.. وفي الحقيقة ان مساحة الارض كافية وتستوعب اي اعداد
بوضعها الحالي وانما المشكلة التي تعيشها البشرية هي ازمة عدالة وتسلط المستكبرين على
حقوق المستظعفين فاذا ظهر الامام المهدي ع في الحشر الاصغر على الارض وازاح عوج الظالمين
وبسط عدله المعنوي والمادي للجميع سكنت الارض وارتاح العباد في الطور المهدوي .