بسم الله الرحمن الرحيم ..
نبدأ معكم أيها القراء الكرام سلسلة الجاسئ الفكرية التي ستتناول العديد من المواضيع الفكرية والإنسانية مما الهم الله عبده الفقير من شذرات معرفية وسيكون الطرح إما لمعلومات بحثية مستحدثة او محاولة تبسيط ما هو مطروح في الساحة الفكرية والعلمية على شكل حلقات مترابطة او متفردة بداعي بدأ حراك فكري مثري للمجتمع على امل التفاعل والاستفادة وتبادل الخبرات والمعارف.
1 – عنواني في البرزخ :
يؤمن البشر فطريا على اختلاف توجهاتهم ببقاء النفس ووعيها بعد الموت أي بعد انفصال النفس والروح عن الجسد وانتقالهما الى عالم آخر غير معروف، أما عن مكون الجسد المادي فالغالبية من البشر يقومون بدفن أجساد موتاهم تحت الأرض في القبور.
نريد هنا ان نعرف القبر على نحوين:
أولا / القبر الجسدي:
هو مواراة الجسد تحت التراب وقبرِه بمقاسات وطقوس معينة حتى لا تنبشه الدواب وليحتفظ بكرامته بعد موت صاحبه رغم عملية تحلله بعد مدة من الزمن .. ونعتقد أيضا ان القبر الجسدي عبارة عن علامة وصل او نقطة اتصال أرضية بين روح المتوفى ونفسه في العالم الآخر وبين موقع جسده في عالم الدنيا حيث العبرة والذكرى لتخليد اثره وآثاره عند اقربائه ومحبيه .
ثانيا / القبر النفسي (الروحي) :
القبر النفسي ليس له حدود او مكان معروف لدى البشر لأنه من عالم الغيب ومستوياته الملكوتية ولا يتكشف إلا لمن توفي وانتقل اليه حديثا لأنها التجربة التي لا يمكن اعادتها مرة أخرى إلا بإذن الله { لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } (سورة ق 22) عالم البرزخ تحكمه قوانين وخصائص فيزيائيةتتناسب مع حياة النفوس فيه فيسمى بالعالم المثالي لأن النفوس تكون بأبدان وقوالب مثالية مجردة من المادة ولكن بنفس ملامح الجسد المادي وشفرته الخاصة الذي كان معروفا به في عالم الدنيا فعندما تقدم الروح المتوفية حديثا تتعرف عليها بسهولة الأرواح التي سبقتها ممن كانوا يعرفونها فيقول الامام جعفر الصادق ع (ان الارواح في صفة الأجسام في شجرة الجنة تتعارف وتتسائل فاذا قدمت الروح على تلك الارواح تقول دعوها فإنها قد اقبلت من هول عظيم ثم يسئلونها ما فعل فلان وما فعل فلان فان قالت لهم تركته حيا ارتجوه وان قالت لهم قد هلك قالوا هوى هوى وان روح المؤمنين في حجرات في الجنة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها ويقولون ربنا اقم لنا الساعة وانجز لنا ما وعدتنا والحق اخرنا بأولنا) وقال أيضا (فإذا قبضه الله عز وجل صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا).
وعندما سُئل الامام جعفر الصادق ع عن أرواح المؤمنين انها في حواصل طير خضر حول العرش قال : (المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير لكن في أبدان كأبدانهم) وفي رواية أخرى (في روضة كهيئة الأجساد في الجنة) وتوجد إشارات بحشر أرواح المؤمنين وبرزخها في وادي السلام بنجف العراق وارواح المنكرين بوادي برهوت في حضرموت اليمن وقيل انهم على كوكب آخر او في سماء أخرى او في جنان برزخية او فوق السماوات العُلا ..
ونذكر هنا رواية عن حبة العرني قال : (خرجت مع امير المؤمنين عليه السلام الى ظهر الكوفة فوقف بواد السلام كانه مخاطب لأقوم فقمت بقيامه حتى اعييت ثم جلست حتى مللت ثم قمت حتى نالني مثل ما نالني اولا ثم جلست حتى مللت ثم قمت وجمعت ردائي فقلت يا امير المؤمنين اني قد خففت عليك من طول القيام فراحة ساعة ثم طرحت الرداء ليجلس عليه فقال
ياحبة ان هو الا محادثة مؤمن ومؤانسته قلت يا امير المؤمنين وانهم لكذلك قال نعم ولو كشف لرايتهم حلقا حلقا مجتمعين يتحادثون فقلت اجسام ام ارواح فقال ارواح ما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض الا قيل لروحه إلحقي بوادي السلام وإنها لبقعة من بقاع الجنة) نستخلص من هذه الروايات المعتبرة ان الأرواح قد يكونوا يعيشوا معنا على الأرض ولكن في بعد ذبذبي ملكوتي غير مرئي للعين البشرية والحواس المادية او في موقع كوني يقع بالتوازي مع احداثيات وادي السلام وكذلك يمكننا التأكيد من خلال هذه الكلمات التنويرية ان الأرواح والنفوس تأكل وتشرب بحسب خصائص عالمها بل تتحدث
ان الأرواح والنفوس تأكل وتشرب بحسب خصائص عالمها بل تتحدث وتدرس لتكمل مسيرة تكاملها الروحي مما فاتها في عالم الدنيا وتدرس لتكمل مسيرة تكاملها الروحي مما فاتها في عالم الدنيا .
ويمكننا في هذا البحث المختصر ان نعرج على نقطة مهمة نراها جديرة بالذكر تدور حول بداية خروج الروح والنفس من الجسد بقيادة الملائكة الكرام نحو البرزخ فمن اول من يستقبلها ويخفف من روع هجرتها الجديدة؟
من خلال اطلاعنا على العديد من الثقافات والمعلومات المتنوعة وقصص الاقتراب من الموت لهذه الجزئية نرى اجماعا مشتركا خصوصا عند أصحاب الديانات السماوية الابراهيمية دلالة على صحة المعلومة فبعض المسلمين مثلا يذكرون ان النبي محمد ص يكون في استقبالهم بعد الموت في بداية البرزخ والنصارى المسيح يذكرون ان نبيهم عيسى ع يستقبلهم وكذلك اليهود مع نبيهم موسى ع ..
وهذا يدل على دور الأنبياء حتى بعد وفاتهم في التعامل بمسؤولية مع اتباعهم وأممهم لانهم احياء عند ربهم يرزقون من جهة ومن جهة أخرى يرى المتوفى في هذه اللحظات نبيه الذي اعتقد برسالته واتبع تعاليمه في الدنيا متجليا امامه وهذه من حكمة الله ورحمته بعباده الموحدين وهذا ما لا يتوفر لمن لا يؤمن بالحياة الاخرى بل سيرى الملائكة تتولاه بموجب كفره وانكاره للمعتقدات الربانية { وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ } (سورة الجاثية 24).
وكذلك يكاد يُجمع الجميع على رؤية المتوفى لاحد اقاربه في البرزخ يستقبله ويهدأ من روعه مستبشرا بقدومه بعد الفراق القسري .
لقد ذكر القرآن الكريم ثلاثة أصناف من أحوال الاموات في عالم البرزخ الغيبي وهي :
هم انبياء الله واولياءه والشهداء والصالحون الخلّص ممن محصوا الايمان تمحيصا فقال الله تعالى { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) } (سورة آل عمران 169 - 170)اذن هم فرحين بما حضوا من نعيم برزخي مؤقت فهم احياء يرزقون في ظلال الحقيقة الغيبية التي كانوا قد آمنوا بها في عالم الدنيا ها هي تتحقق بين ظهرانيهم بعد موتهم { قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) } (سورة يس 26 - 27).
هم أعداء الله والكافرين به وممن اجرموا اجراما كبيرا كفرعون ومن سار على دينه وشاكلته { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } (سورة غافر 46)تدل الآية على ان أرواح ونفوس آل فرعون في حالة عرض مستمر على النار كنوع من الجزاء والوعيد بالعذاب في عالم البرزخ قبل يوم القيامة ولا شك ان كثير من اشباههم وطغاة البشر الجبارين من قتلة الأنبياء والمستضعفين هم الآن كذلك ممن رحلوا من عالم الدنيا بل ان المنافقين منهم الذين اسخطوا الله وكرهوا رضوانه يبدأ عذابهم مباشرة منذ اللحظة الأولى بعد موتهم وفي اول منزل من منازل الاخرة تتولاهم الملائكة بالضرب والوعيد فهم احياء بعد موتهم ويشعرون بكل شيئ كما قال تعالى { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } (سورة محمد 27 - 28) وتأكيدا أيضا { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (سورة الأَنْفال 50 - 52)
هم صنف الناس العاديون ممن لهم وعليهم يكونون في حالة سُبات الى يوم الحساب ليحكم الله في شانهم ويفرزهم { قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } (سورة يس 52)
ونعتقد انه ربما تبقى النفوس في حالة سبات طويلة الى يوم القيامة تبدأ بعد الانتهاء من مسائلة (القبر النفسي) التي على أثرها تحدد مكانة وحالة الانسان في عالم البرزخ فمنهم من يعيش في حالة هانئة منعمة بريح الجنة في سعة وسرور ومنهم من تهب عليه سموم النار وأذاها ولا يهنأ في سُباته جراء اعماله الطالحة وجراء ما يصله من نتائج ما احدثه من بدع ومنكرات ومازالت تمارس في عالم الدنيا تدر عليه بالسيئات السرمدية ما دامت الحياة الدنيا قائمة.
مسائلة (القبر النفسي) التي على أثرها تحدد مكانة وحالة الانسان في عالم البرزخ فمنهم من يعيش في حالة هانئة منعمة بريح الجنة
ونذكر هنا عندما سئل الامام علي بن ابي طالب ع عن احوال الموت فقال (على الخبير سقطتم، هو أحد ثلاثة أمور يرد عليه: إما بشارة بنعيم الأبد، وإما بشارة بعذاب الأبد، وإما تحزين وتهويل وأمره مبهم لا يدري من أي الفرق هو)
ومن مضامين الادعية والاوراد المعتبرة نذكر ما يؤيد هذه المعارف ومنها :
والارواح والنفوس في عالم البرزخ تستيقظ من سباتها في أوقات معينة مثل ايام الجُمع وفي المناسبات وعند القبور حين زيارتها وذكرها بالخير من قبل الاهل والمجتمع وكل حسب منزلته ومستوى قدره عند الله يسمح له بالحركة والتنقل ضمن خصائص البرزخ وقوانينه وهذا السماح بالتنقل والحركة لا ينافي كونه في عالم البرزخ ولا يعتبر رجوعا كاملا بالجسد لعالم الدنيا الذي هو محجوب وممنوع الى يوم يبعثون انما بمثابة الفرصة والهدية من الله للمؤمن ليزور اهله ويشاهدهم في بعض الحالات الطيبة وان كانوا لا يشاهدونه.. والله اعلم .
التعليقات 7
7 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
2020-04-11 في 10:47 ص[3] رابط التعليق
أحسنت أخي الكريم … الجاسئ ماذا تعني بالضبط؟؟؟؟
عبدالله حسين البراهيم
2020-04-12 في 1:09 ص[3] رابط التعليق
وانتم .. وشكرا على السؤال الواعي ..
الجاسئ كتلة أعصاب تربط نصفي المخ من الخلف مع بعضهما حيث يتم نقل المعلومات ما بين نصفي كرتي الدماغ اليمين واليسار من خلال أكثر من 200 مليون ليف.
اما على مستوى مكون النفس فالجاسئ هو ممر تبادل للمعلومات والافكار فلما كان معدل التبادل بين الطرفين اعلى فهذا يدل على شمولية التفكير وكثرة الخبرات المخزنة وبالتالي مخرجات فكرية ذات جودة اعلى .
2020-04-17 في 12:23 م[3] رابط التعليق
أحسنت أخي معلومة حقيقة لأول مرة تمر علي استفدت منها شكرا لك
الله معي
2020-04-14 في 9:39 ص[3] رابط التعليق
شكرا على طرح هذا الموضوع
2020-04-17 في 12:26 م[3] رابط التعليق
عفوا بعد أن فهمت مفهوم الجاسئ هل لي أن أسأل لما سميت سلسلة كتاباتك هذه بالجاسئ ؟؟؟؟؟ ما الرباط بين مفهوم الجاسئ وبين القبر بمعناه الروحي أو الجسدي والنفسي؟؟؟ أن حق لي السؤال؟
عبدالله حسين البراهيم
2020-04-18 في 6:23 م[3] رابط التعليق
سميتها تيمنا بهذا العضو الهام وأثره في الجسد او في النفس والتفكير ..
وحاليا اعمل على نظرية الجاسئ في التفكير الشمولي بعد معرفة مكونات الجسد وتحديدها بدقة
وبعد معرفتها وصياغة مبانيها سنستنبط منها عدة قواعد وافكار اصيلة او مطورة على الساحة
العلمية والفكرية ..
نعم من المفترض ان تكون الحلقة الاولى تعريفية بالنفس والروح والجسد ثم المباني عليها
الا اني استعجلت بحلقة النفس في البرزخ مقدما الظروف التي مرت على البلد من وفيات متتالية .
وان شاء الله نوفق في طرح السلسلة بحلقات مترابطة .. وهي عبارة عن نتاج الجاسئ الخاص بي
المرتكز على الكتاب والسنة معززا بالدليل العقلي والعلمي ..
2020-04-19 في 9:51 ص[3] رابط التعليق
(سميتها تيمنا بهذا العضو الهام وأثره في الجسد او في النفس والتفكير .) نعم أحسنت وبارك الله في طرحك وموفق في بقية الطرح “ننتظره”