أتذكر: قبل الغروب بساعة تحلقنا حولها وطلبنا منها أن تحكي لنا حكاية من حكاياتها الجميلة وبإلحاح منا وإصرار قبلت جدتي رحمها الله أن تحكي لنا حكاية قصيرة لقرب دخول المغرب فهي تعتقد كما يعتقد الكثيرون من جيلها بأن هذه الساعة ليست للحكايات و"السواليف" كما تقول بل هي للاستغفار وذكر الرحمن، ومع ذلك تحت إصرارنا قبلت على أن توجز ولا تسهب.
بدأت بقولها: (كان يا ما كان في سنة من السنوات زمان أول ما يشبه زمانكم هذا بشيء كانت الناس تلبس نفس اللبس ونفس الألوان تقريبا وكانت البيوت "مثل مثل" يعني تتشابه مع بعضها وكانت الناس تحمل نفس الهم وتعيش نفس المعيشة في وقت مغربية مثل هذا الوقت تماما الشوارع هادئة النساء دخلت البيوت تطبخ العشاء والرجال فتحت المساجد تستعد للصلاة، كان يطلع جارنا "أبو سعد" وهو يزمر "بهرن" سيارته مرة ومرتين وثلاث وأكثر مما جعل الناس تخرج للشارع وتتجمع عند جارنا وتسأله، خير يا أبو سعد تتعالى أصوات الزغاريد والفرح من بيتكم ويبدو عليك الفرح خبرنا لنفرح معك.
أخبرهم أبو سعد أن سعد عاد من السفر وأن الجميع مدعو على الغداء في اليوم الثاني، هنأه الجميع وعادوا إلى بيوتهم وغارت النجوم وعم الظلام كل المكان ونامت الناس. وفي اليوم الثاني الكل كان يستعد لعزيمة جارنا ولبسوا أحسن وأنظف ما عندهم من الثياب، وبعد الغداء قال لهم سعد تجمعوا سوف آخذ لكم صورة، الكل قام يضحك ويقول كيف بتصور وأنت ما عندك ورق ولا شيء تطبع عليه الصورة ولازم غرفة تصوير ومعدات وكثير من الأشياء، ضحك سعد وأخرج لهم من بين ثيابه صندوق صغير أسود حجمه لا كبير ولا صغير وقال لهم: أنتم فقط تجمعوا ولا عليكم.
وضغط سعد على الصندوق وبقدرة قادر طلعت ورقة فيها صور كل الجيران وهم يضحكون ومنبهرين، قاطع جدتي أخي الصغير وقال لها: يا جدتي هذه "كاميرا" قالت له أي نعم كان في ذاك الزمان الناس ما انتشرت الكاميرات بين أيديهم وكان من يريد له صورة يذهب إلى مكان مخصص للتصوير وما كنا نعتقد في يوم من الأيام أن بتكون الكاميرات منتشرة بين أيدي الناس مثل أيامكم هذه، سبحان الله كل شيء تغير وكل شيء تبدل.
قالت أختي: أكملي يا جدتي، قالت جدتي: صورهم سعد عشر صور وأعطى كل واحد منهم صورة وتناقل الخبر في البلد أن سعد ولد أبو سعد يقدر يصور الناس في بيوتهم بدون تعب ولا مشقة وصارت الناس كل يوم تطلب من سعد يصورهم وتعطيه على كل صورة نصف ريال. صحنا جميعنا: "بس" قالت أي "بس" وكان كثير ذاك الوقت نصف ريال على صورة لكن مثل ما قلت لكم الزمن تغير وكل شيء تبدل.
وطلبنا منها أن تكمل الحكاية ظننا منا أنها ستقول بأن سعد أصبح مشهور في البلد وغني جدا ومطلوب جدا من الناس قالت لنا لكن يا حبايبي سعد ما أكمل تصوير وسألناها "ليش" قالت: أذن المغرب وسأستعد للصلاة وغدا أكمل لكم
في اليوم التالي: استيقظنا باكرا لنطلب من جدتي أن تكمل لنا الحكاية وتخبرنا لماذا لم يكمل سعد التصوير في البلدة ولكن كان القدر قد استيقظ قبلنا وأخذ الموت جدتي ورحل بها وبكل حكاياتها حتى حكاية سعد التي لم تكتمل حتى اليوم.
التعليقات 6
6 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
فاضل الدليم
2019-07-18 في 9:56 ص[3] رابط التعليق
قصة جميلة رحم الله ابآنا وامهاتنا الماضين وحفظ الله الباقين منهم فانهم بركة هذا الزمان.
حسين الجويد
2019-07-18 في 2:27 م[3] رابط التعليق
الله يرحم أموات المؤمنين
ويرحم ايام اول
2019-07-18 في 10:51 م[3] رابط التعليق
نعم رحم الله الماضين أجمعين
2019-07-18 في 6:05 م[3] رابط التعليق
أشكر مرورك أخي الكريم وإعجابك بالقصة
يمنى العبيدي
2019-07-30 في 3:22 ص[3] رابط التعليق
جميله جدا القصة معلمة الله يرحم اموات المؤمنين
??قصه حزينة
يمنى العبيدي
2019-07-30 في 3:25 ص[3] رابط التعليق
قصه جميله وحزينة
الله يرحم اموات المؤمنين ??