الجزء الأول
?تميزت عرفة بقدسية المكان واستثنائية الزمان ، فأرضها تمثل حالة الاصطفاء الإلهي التي ارتضاها لاستضافة عباده و حالة الاستثناء الزماني لحجهم الأكبر.
? اقتران الثواب الجزيل لنيل مرضات الله بوقوف الحاج بأرض عرفة جاء عن حكمة وأسرار إلهية تدعو المؤمن للتأمل لاستجلاء معانيها والوصول إلى عمقها وجوهريتها ؛ لما في ذلك من مردود إيجابي كبير في تغيير حياة المؤمن الدنيوية ومصيره الأخروي.
? محدودية الزمن في فضل يوم عرفة جاء من أجل غاية ربانية تتطلب من المؤمن حشد هممه وطاقاته في استغلال الفرص الزمانية والمكانية التي يمنحها الله له والاستفادة منها على أكمل وجه ، خاصة إذا مثلت محطة للتغيير الجوهري في مسيرته الحياتية .
? يوم عرفة محطة إيمانية استثنائية تستوجب على المؤمن استغلال لحظاتها على أكمل وجه للوصول إلى أهدافه وما يصبو إليه من آمال وطموحات ، لاسيما في تحقيق مرتبة اليقين والجزم بأن الله تعالى هو من يمتلك القدرة المطلقة والهيمنة التي لا حدود لها في غفران ذنوبه وإيصاله إلى ما يرجوه ويصبو إليه.
? إن التأمل في رواية النبي (ص): الحج عرفة ، هي الرواية التي تجعلنا ندرك شيئاً من عظمة أرض عرفة وثواب الوقوف فيها ، خاصة إذا ما أردفت بالرواية التي أجاب فيها النبي (ص) ذلك الثري حينما فاته الحج بقوله (ص): (لو كان لديك مثل جبل أبي قبيس من ذهب وأنفقته بأجمعه في سبيل الله لما أدركت ثواب الحج).
?تبدأ لحظات تلقي فيوضات يوم عرفة من اللحظة التي يطأ الحاج بقدميه ترابها حينها يستحضر قدسيتها ومكانتها عند الله ، فتغمره حالة إيمانية وروحية جذابة تهيمن على روحه وكيانه ، خاصة إذا وقف صاغراً بين يدي الله بهيئة العبد الذليل المتجرد من ملذاته المادية والدنيوية بلباس أشبه مايكون باللباس الذي سيخرج به من الدنيا ويلقى الله به في الآخرة.
?لن تجد توقيتاً زمانياً يُشعرك بعظمة غفران الذنوب والتجاوز عنها كيوم عرفة حينما يثق المؤمن بكلمة النَّبِيِّ (ص) حينما قَالَ : " مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ فِي يَوْمٍ هُوَ أَصْغَرَ وَ لَا أَدْحَرَ وَ لَا أَحْقَرَ وَ لَا أَغْيَظَ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ ".
? أولى مراحل الإقبال على الله من قبل الواقف في أرض عرفة هي اللحظة التي يعترف فيها بكبائر ذنوبه ومعاصيه وشدة افتقاره إليه ، فهي البوابة التي تمكنه للوصول إلى مايصبو إليه من المغفرة والرضوان بتذكر مقولة النبي(ص) في ذلك المقام حينما قال:( مِنَ الذنوبِ ذنوب ٌ لا تُغفر إلا بعرفات).
?حينما يستحضر المؤمن ارتباط يوم عرفة وزمانها بالأنبياء والأئمة الطاهرين(ع) فهذا ينعكس إيجابياً على مستوى إيمانه باتباع طريقتهم المثلى في الإفادة على الله من خلال الاشتغال بالدعاء والتضرع له عن طريق ما ورد عن النبي (ص) وأهل بيته الطاهرين (ع) .
? يمثل دعاء الإمام زين العابدين (ع) ودعاء الإمام الحسين (ع) يوم عرفة عمق ومعرفة وتوجيه وتربية وسلوكي للإنسان، وأسلوب مؤثر يجذب المؤمن نحو الله تبارك وتعالى ويُخرجه من عالم الماديات إلى عالم المعنويات والملكوت .
? تتخلل حياة المؤمن حالات متكررة من اليأس والقنوط توصله لحالة من الاحباط والكسل تمنعه من الوصول للكمال الفطري ، فمنحه الله يوم عرفة كمحطة إلهية استثنائية قادرة على تزويده بالطاقات الإيمانية والروحية الموصلة لحالة من اليقين التي يتلمس فيها رحمة الله ونيل رضوانه ، وهذا ما أكد عليه النبي (ص) حينما قال : (أعظم أهل عرفات جُرماً من انصرف وهو يظن أنه لن يُغفر له ) .
? تحقيق العمق المعرفي من الوقوف بعرفة مرتبط بوصول المؤمن لقناعة يرى فيها نفسه في حالة الفقر المطلق المتشبث بحالة الغنى المطلق لله ، أما تحقيق البعد المعنوي من الوقوف بعرفة مرتبط بوصول المؤمن لقناعة أن الله تعالى هو الوحيد والقادر على إيصاله إلى ما يُريد ويبتغيه ،ليس ذلك في دار الآخرة - بأن يجعله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
?ترتبط حالة الكمال النفسي للحاج بتزامن وقوفه بأرض عرفة بتأهيل نفسه للوصول لحالة من الصفاء يستشعر فيها الخشوع والانقطاع إلى الله تبارك وتعالى ، تؤهله في نهاية المطاف للعروج الجسمي والروحي من خلال الأدعية المأثورة ذات المضامين العالية التي تميزت بها مدرسة أهل البيت (ع) .