تنقطع عشرات العلاقات الاجتماعية والأسرية اليومية بناء على تبيان ردود الأفعال في شبكات التواصل الاجتماعي والسبب اتصال فائت ، ورسالة مهمشة !!.
وفي بداية الحديث يجب أن نتفق على المبدأ العام الذي يتوجب فيه مراعاة كل فرد منا النواحي والظروف الشخصية والمهنية لأي شخص آخر يتعامل معه عبر الوسائل الاجتماعية ، لذلك فليس ملزم أي إنسان بالرد على كل رسالة أو اتصال يرد له -خاصة مع الكم الهائل الذي يصله في الساعة الواحدة فضلاً عن اليوم الواحد ، إذا اضفنا لها شريحة المتطفلين واللحوحين في حاجاتهم ورسائلهم !!.
ثانياً : يجب أن ندرك أن كل إنسان سواء كان المرسل أو المتلقي يختلف في مستوى الثقافة والأخلاقيات والقدرات التي يتمتع بها في إدارة علاقاته الأسرية والاجتماعية عبر شبكات الاتصال الاجتماعي أو الحكم عليها -حتى لو كان ممن يتمتع بموقع اجتماعي أو ديني أو ثقافي متميز.
ثالثاً: وضع احتمالات ذلك التواصل في محمل الصحة ومحمل الخطأ.. ومحمل الأحسن ، ومحمل الأسوأ.. والاحتمالات بحسب المنطق الرياضي متساوية في الخيارات ، فلماذا يُرجح جانب الشر؟.. و يُغلّب على جانب الخير!!.. والنبي (ص) يقول : ( احمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير ).
رابعاً : ما يعجل الخصومة والقطيعة في العلاقات الاجتماعية والأسرية عبر شبكات التواصل الاجتماعي أن البعض يبرر عدم رده أو تواصله مع الآخرين بسبب كثرة الإزعاج والاتصالات والرسائل التي يعرف أو لا أصحابها ، لكن المتتبع للب المشكلة يدرك أن سوء الظن وعدم إيجاد المبررات هي من أهم الأسباب في إحداث القطيعة بين أناس تحكمهم علاقات أسرية وأخوية واجتماعية ودينية قوية.
وهنا النقطة الجوهرية التي نتوقف عندها .
فحينما يتواصل فرد ما عبر عدة اتصالات ورسائل عبر شبكات الاتصال الاجتماعي مع شخص آخر يحمل صفة الرحم أو الصديق أو عالم الدين أو الخطيب أو الناشط الاجتماعي ويعرف نفسه ويوضح حاجته له ، أو بحكم المعرفة والعلاقة التي تحكمهما ، لكنه لايعيره أي اهتمام أو تنبيه لظرف يعتريه يمنعه من عدم الرد عليه أو التواصل معه ، فهنا تبدأ الحكاية.
فالبعض يقرأها بنوع من حالات التهميش واللامبالاة أو مستوى الاستحقار ، فعن أبي عبد الله (ع) قال: لا تحقروا مؤمناً ، فإن من حقر مؤمناً أو استخف به حقره الله ولم يزل ماقتاً له حتى يرجع عن محقرته أو يتوب.
ومن النكت اللطيفة التي حدثت لبعض الأخوة الأعزاء قيامه باتصال متعدد ورسائل متكررة بأحد الشخصيات المشهورة اجتماعياً - وبالرغم من شدة علاقته بتلك الشخصية ، لكنه لم يرد عليه ، أو يوليه أي اهتمام ، فقال له أحد أصدقائه : إن فلان لايرد على أحد مهما كانت صفته!! ، فقال له متعجباً : من هو ؟ ومن يكون حتى لا يرد عليّ أو يعيرني أي اهتمام ؟ .
وأمير المؤمنين (ع) يقول : مسكين ابن آدم أوله نطفة قذرة ، وآخرة جيفة نتنة، وهو فيما بينهما يحمل العذرة .
فاقترح عليه وقال له : أتصل بـ (س) من الناس ، وأطلب منه أن يرسل له رسالة ويقول : أتصل بك فلان عدة مرات ، وأرسل لك أكثر من رسالة ولم ترد عليه !!.
فقال له : عجيب أمره ، كيف يدعي الأخلاق ، ويحتل تلك المكانة الاجتماعية المرموقة وهو لا يعامل الناس بالمثل ، وكيف يرد على شخص دون سواه ؟ هل بحكم العلاقات وتبادل المصالح ، أم لغاية في نفس يعقوب ؟ !! فإذا كان ذلك إنسان فأنا إنسان مثله ؟ !!
ولعل من يتواصل معه هو في موقع المتفضل عليه ، ومايدريه لعل من تواصل معه أفضل عند الله مكانة ومنزلة منه.. والله العالم.
ثم أضاف بقوله : إن كثير من اتصالات ورسائل الآخرين لغيرهم هي مطالب وحاجات ، فكيف يزهد أمثال هؤلاء بها ؟!! فعن المفضل عن أبي عبد الله (ع) قال: ومن قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله تعالى له يوم القيامة مائة الف حاجة، من ذلك أولها الجنة.
فمؤسف جداً ما وصل به حالنا بحيث تؤطر شبكات الاتصال الاجتماعي علاقاتنا الأسرية والاجتماعية وتحدد مسارها ، ومؤلم جداً أن تعبر هذه الوسائل عن شخصياتنا ، وأشد إيلاماً أن تكشف هذه الوسائل الاجتماعية صور بعض البشر وتبين تدني أخلاقهم.
علينا في نهاية المطاف أن ندرك من خلال تعاملنا مع الآخرين عبر شبكات الاتصال الاجتماعي أن لكل فرد له ظروفه وخصوصياته واهتماماته ، وإن نضع لكل إنسان أولويات وأعذار ومبررات وتقديم الأهم على المهم ، لكن يبقى الخيار الوحيد أمام الجميع في مدى لباقته ودقته في اختيار أسلوب التعامل مع الناس ، بحيث يصبح كل منا كرسام يمتهن مهنة الرسم ليرسم نمط صورته التي سيتناقلها الناس عنه.
ونعلم أن باب الخير يفتح بمفتاح الكلمة الطيبة ، ومحمله يكمن بحسن الظن ، وعنوانه بسمة تلقى بها الناس ، وبلسمه لفظة اعتذار ترسلها لهم ، وميزانه تعجيل في قضاء حاجاتهم ، وجوهره تقديم رضا الله على رضا النفس ، وآثاره ذكر طيب يبقى بعد غياب شخصك.