? يفترض أن يكون قرار التوبة النصوح متزامناً مع كل يوم من حياة المؤمن خصوصاً مع دخول شهر رجب كونها الفرصة السانحة والذهبية التي ربما قد لا تعوّض و لا تتكرر للمؤمن مرة أخرى .؟ فربما يكون شهر رجب هذا هو الشهر الأخير في حياته ، وهذا ما أكد عليه النبي الأكرم (ص) بالإتيان به في شهر رجب فقال : فاستكثروا من قول أستغفر الله وأسأله التوبة.
? تتزامن حالة التعرض لنسمات الرحمة الإلهية في الأشهر العبادية بقرار مصيري يتخذه المؤمن قبل توقيت صعوده إلى قطار هذه الأشهر وهو قرار التوبة النصوح ، بحيث يستطيع أن يخفف رويداً رويداً من تبعات الحمل الثقيل وأدران الذنوب والخطايا الصغيرة والكبيرة التي احتطبها على ظهره طوال حياته .
?تعتبر الأشهر العبادية كشهر رجب وشهر شعبان وشهر مضان من أفضل التوقيتات الزمنية لإيجاد مقتضيات التوبة النصوح ، وهي من الخطوات الفعلية التي تضمن بأن يكون المؤمن من صنف الناجحين في تحصيل التوبة من الله تعالى في هذه الأشهر العظيمة .
? تزامن بين مدلول هذا شهر رجب بمفهوم الرحمة من عند لله التي لا تنال إلا بشرط قرار من العبد بالتوبة النصوح ، حينها يمكنه أن يستنزل رحمة الله في هذا الشهر العظيم ، ويتلمس فيها مستوى عظمته .
?من الطرائف الخفية لمسمى شهر رجب هو معاني من المعاني والصفات الإلهية التي ترتبط بلطفه ، فالراء يرمز إلى رحمة الله ، والجيم إلى جود الله ، والباء ترمز لبر الله ، وورد ايضاً أنه سُمي بشهر التوبة.
? من مقتضيات الحصول على التوبة النصوح : العودة الكاملة إلى الله سبحانه وتعالى ، والحذر من الابتعاد عنه ، سواء بارتكاب المعصية أو بمخالفة أوامر الوجوب ، أو بفعل المكروهات ، وترك المستحبات ، أو الاستخفاف بصغائر الذنوب.
? قرار التوبة المصيري الذي يتخذه المؤمن في الأشهر العبادية يتطلب نسبة عالية من التضحية والمواجهة مع الذات خصوصاً في تعلقها بالملذات الدنيوية ، ويتوقف ذلك على قدرته بالتضحية بها وهي عملية شاقّة وصعبة - وبالذات إذا مسّت المصالح الرئيسة للمؤمن ، لذا فهو بحاجة إلى وقود إيماني قوي تعطيه طاقة تحمّل للمشقة والخسارة العاجلة للماديات في الدنيا كي لا يتورط بالخسارة الدائمة الآجلة في الآخرة.
? قد يتخذ المؤمن قرار التوبة النصوح ثم يقع في ذنب من الذنوب ، فيصاب بحالة من حالات الياس والإحباط ، وهي مرحلة خطيرة جداً ، يتوجب عليه العزيمة على تدارك التوبة مرة أخرى ، لأن اليأس من رحمة الله أكبر من عودته إلى الذنوب .
? يحتاج المؤمن إلى قرار مصيري مع ذاته بحيث يهيئ ويمهد نفسيته لتلقّي قرار التوبة النصوح ، كي ينزل ذلك القرار على ذاته كالماء الزلال العذب على الأرض الجدباء ، فتنبت في نفسه الشجرة الخضراء اليافعة ، فإن لم يستطع القيام بذلك فستكون الأشهر العبادية كسائر أشهره الماضية .
?إذا لم يتخذ المؤمن قراراً مصيرياً مع ذاته لتلقّي قرار التوبة فإن أشهر رجب وشعبان ورمضان ستذهب وتأتي في العام القادم وهو لم يحدث تغييراً جذرياً في حياته ، وربما يدركه الأجل قبل ذلك حينئذ لايفيده الندم ، قال تعالى: قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .
? إن من أهم المقدَّمات الممهِّدة لقرار التوبة النصوح في الأشهر العبادية هي : الاعتراف بالذنب ، وجمح الأنا ، وعدم الغفلة ، ومحاسبة النفس ، وأن لا تأخذه العزّة بالإثم ، وتجنّب قرناء السوء ، فإذا تخطى المؤمن هذه المراحل والمقدمات ، عندئذ يتأهَّل لمقام التوبة النصوح إن شاء الله تعالى .
?يعتمد قرار التوبة النصوح في الأشهر العبادية على عدة أركان وهي: الندم والخروج من تبعات الذنوب ، والعزم على عدم العود ، وأداء إلى كلِّ ذي حقٍّ حقَّه ، وإذابة اللحم الذي نبت على السحت والحرام ، حتى يرجع الجلد إلى عظمه ،حتى ينشئ فيما بينهما لحماً جديداً ، وإذاقة البدن ألم الطاعات ، كما أذيق لذات المعاصي ، وهي الشروط الحقيقية للتوبة التي أشار إليها أمير المؤمنين(ع).