? عُد شهر رجب أول الأوقات المهيئة الممنوحة للمؤمن أجل التزود بمئونة التقوى والإيمان لأنه مصدر زمني استثنائي للقوة والعزيمة الروحية من أجل إكمال مسيرة حياته الإيمانية .
? شهر رجب الأصبّ ، وهو في حقيقته بوابة لأشهر التوبة ، وعروج لتلقي الفيوضات والرحمات الالهية ، يدلف من خلالها المؤمن إلى عالَم الصفاء والنقاء والقرب من الله ، ليكون له محطة استراحة من عناء الجري وراء الماديات والملذّات التي لا تنتهي في عالم الدنيا.
? شهر رجب هو الشهر الأصم لما له من الحرمة والفضل ، وكونه من الأربعة الحرم التي اختارها الله ، وسمي الأصب لأن رحمة الله تصبر على أمة محمد (ص) صباً ، وسمي رجب المرَجَّم لأن الشياطين ترجم فيه لئلا يؤذوا المؤمنين .
? لو لم يكن عطاء الله من فضل شهر رجب إلا بذلك النداء الإلهي الذي اختص به الرجبيين يوم القيامة لكفى ، بأن يشحذ المؤمن هممه وطاقاته كي لا يحرم من صيام ولو يوم واحد منه ، فعن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) قال : من صام أول يوم من رجب رغبة في ثواب الله عزّ وجلّ وجبت له الجنة.
? توافق في عدد الأشهر مع عدد الأئمة الأطهار ، وهذا مادل الإمام محمد الجواد(ع) في زيارته المخصوصة لأبيه الإمام علي الرضا(ع) في شهر رجب التي صُنفت من أهم المستحبات التي تؤتى بها في هذا الشهر العظيم فقال في زيارته له (ع) : السلام على شهور الحول وعدد الساعات.
? من أهم روافد البناء الروحي والإيماني وعُدت من الأعمال المستحبة والمندوبة في شهر رجب هي العمرة الرجبية، ولهذه العمرة منزلة عند الله يذكرها الفقهاء بأنها (تالية الحج في الثواب) كما جاء في الروايات الصحيحة على المؤمن الحرص على الإتيان بها في هذا الشهر قد المستطاع .
? ارتبط مسمى شهر رجب الأصب بشخصية أمير المؤمنين(ع) كون الأصب أسم من أسماء أمير المؤمنين (ع) كما ورد في البحار ، وكون الأصب أسم لنهر موجود بالجنة الذي وصفته رواية الإمام موسى بن جعفر(ع) أنه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل ، لمن صام يوماً من شهر رجب فيسقى منه.
? يدل الحديث الذي وصف شهر رجب أنه نهر من الجنة ، فأصبح التعرض لرحمة الله في هذا الشهر مرتبط بالمعرفة والإيمان بالله ورسوله ، المرتبط هو الأخر بمعرفة ولاية أمير المؤمنين(ع) ، بحيث تتوقف حصيلة التحصيل والكم الهائل والقبول بالممارسات العبادية والدينية بمدى معرفتهم وقبولهم بولاية أمير المؤمنين(ع) .
? تعتبر أول ليلة من شهر رجب ويومها أولى محطات الاختبار التي تبين مستوى الهمة والعزيمة التي يمتلكها المؤمن في تحمل مضمار السلوك إلى الله حيث ورد في آثار الأخبار ولآلئها: أنّ الليلة الأولى منه هي إحدى الليالي التي يستحب إحياؤها بالغسل والعبادات ، ويتأكد الصيام في أول يوم منه .
? حينما يعود المؤمن نفسه بمناداة الله في دبر كل صلاة في شهر رجب ، حتما سيصل إلى حالة من حالات اليقين لكي يكون من المختصين بالنداء الذي يخرج من بطنان العرش يوم القيامة والذي روي عن الإمام جعفر الصادق (ع) : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش : أين الرجبيون ؟ .
? شهر رجب من المحطات الزمنية الإلهية التي أمتزج فيها حالات النداء مع الله والدعاء إليه ، واشتركت فيه منازل الرجاء والعمل والفقر إلى الله .
? يكفي المؤمن في شهر رجب أن يسعى لتطبيق قاعدة : قليل دائم خير من قليل منقطع ، وهي قاعدة تنطبق على ما رواه السيد ابن طاووس عن محمد بن ذكوان، قال: قلت للصادق (ع) علّمني دعاء في شهر رجب لعل الله ينفعني به فقال أكتب : يا من أرجوه لكل خير، وآمن سخطه عند كل شر .. إلى آخر الدعاء .
?بالرغم أن الدعاء الذي علمه الإمام جعفر الصادق (ع) لابن ذكوان قصير الكلمات، لكنه يحمل من الدلالات العبادية العميقة لاحتوائه على أربع نداءات سبقت دعاء ، والنداءات الأربعة تتضمن المنازل الأربعة للرحمة الإلهية في حياة الإنسان وهي: الرجاء والأمن ، والعمل ، و الدعاء ، والحاجة والفقر.
? إن الدعاء الذي علمه الإمام جعفر الصادق (ع) لابن ذكوان كي يردده بعد كل صلاة في شهر رجب مرتبط بنداء الرجاء والأمن بحيث يجعل العبد المؤمن يعيش بين الخط الصاعد والخط النازل في رجاء برحمة الله وفضله وجوده وعطائه، وأمن من عقوبته وعذابه وغضبه.
? إن الدعاء الذي علمه الإمام جعفر الصادق (ع) لابن ذكوان كي يردده في بعد كل صلاة في شهر رجب مرتبط بنداء الأمن بين الخوف والرجاء ، لكون الرجاء هو أحد حدّي الأمن، وحدّه الآخر الخوف من الله ، فإن الأمن الذي لا يحدّه الخوف من الله يدفع الإنسان إلى معصية الله .
? إن العلاقة القائمة بين العبد وخالقه على أساس الرجاء فقط ولا يخالطها الخوف قد تجر الإنسان على معصية الله، ويتسامح صاحبها في مراقبة نفسه من مزالق الأهواء والفتن ، وتسمح للشيطان بأن يتسلل إلى نفسه.
? إن الدعاء الذي علمه الإمام جعفر الصادق (ع) لابن ذكوان كي يردده في بعد كل صلاة في شهر رجب عطاء مرتبط بمنزل العمل وهو المنزل الثاني لرحمة الله ، بحيث أن الكثير من الجزاء من عند الله يُنال بالقليل من عمل العبد، لاسيما أن العطاء الإلهي على نحوين: عطاء بالمقابلة بدون موازنة ومعادلة لأن عطاء الله لايعادله شيء ، وعطاء بدون مقابل) يا من يعطي من سأله يا من يعطي من لم يسأله) .
? إن الدعاء الذي علمه الإمام جعفر الصادق (ع) لابن ذكوان كي يردده بعد كل صلاة في شهر رجب عطاء رباني مرتبط بمنازل الرحمة وهو العطاء بالسؤال والدعاء والطلب ، من غير مقابل ولا عمل ، ( يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنّناً منه ورحمة )، والذي لا يسأل ولا يدعو الله في هذا الشهر يُحرم من هذا العطاء الإلهي الواسع والاستثنائي.