الجزء الثاني
? أولى المدركات الواعية بأهمية الغذاء الإيماني والروحي يتمثل في مدى رغبة المؤمن في تحصيل تلك المكتسبات والإلمام بمصادرها الصافية ، وتبين مدى عزيمته في توظيف تلك المكتسبات الروحية في بناء مسيرته الدنيوية وتحديد مستقبله الأخروي .
?البناء الإيماني والروحي يظهر في جوهر العبادة ومضمونها وأثرها المعنوي لا في أشكالها وطقوسها ، فالجوهر والمضمون هما ما يحددان مستوى الصلة الحقيقية للمؤمن باللّه تعالى ، وولائه الراسخ بمحمد وآل محمد وتعلقه الروحي والعاطفي بهم .
?للبناء الروحي بعدان أساسيان الأول نظري والآخر عملي بحيث يكونان واضحان ، وهذا مايجعل طريق السير الروحي طريق هدى واطمئنان ، بخلاف السائر على غير ( هدى ) والهدى هو طريق محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
? استطاع النبي (ص) وأهل بيته الطاهرين(ع) تطبيق البعد الإيماني والروحي من على أساس تطبيق رضا الله في كل الأحوال والأفعال ، والسلوك الأمثل لتجسيد القيم والمبادئ ، ونشر مظاهر العطف والرحمة ، وتطبيق مبدأ العدل والمساواة ، وبث روح التعلق بالله ، وثقافة الأمل في نفوس البشر ، وخلق النماذج الإيمانية التي تقتفي سيرتهم.
? البناء الإيماني والروحي يظهر في قوة العلم الإيمان ومستوى الحب لله والمولاة للنبي (ص) وأهل بيته الطاهرين (ع) والبراءة من أعدائهم ، ومدى تثبت العقائد الحقة في الوجدان والقلب ، ونسبة الإخلاص في القول والعمل ، بحيث تتوافق الطقوس العبادية مع معاني إيمانية وروحية مهمة أهمها: الخوف من الله ، والرجاء إليه ، والتواضع بين يديه.
?التربية الروحية مبنية على نتائج ملموسة تبين تأثير العبادة والخشوع في السلوك والطاعة بحيث تتكون علاقة وثيقة بين الإنشداد النفسي والعملي باللّه وبين الممارسات العبادية لأن تكوين الجانب الروحي وتنميته لا يتم من الناحية العملية والواقعية .
?كثير من البشر يعيش أجواء روحية في أزمنة مخصوصة وأماكن قدسية تتخللها الدعاء والمناجاة لكنهم لا يكسبون ولا يرتقون في بنائهم الإيماني والروحي لأي درجة منها ، وهذا ناتج لعدم وجود تفاعل روحي مع قدسية المكان وجوهر الممارسة .
? إن من أسباب عدم انتفاع المؤمنين بعباداتهم في تقوية بنائهم الروحي هو تركيزهم على ردع قوة العدو المزيف والضعيف المتمثل في الشيطان ، ونسيان قوة العدو الحقيقي والقوي المتمثل في نفوسهم ، فإذا كان الشيطان يشكل خطراً على تربية أرواحهم ورقيها .. فالنفس تشكل خطراً أكبر منه !!.
? إن الأمراض النفسية التي تقبع داخل النفوس البشرية كالحقد والحسد والبغض والنفاق والرياء والغيبة والنميمة هي من أقوى الأسباب المانعة من الارتقاء الروحي كونها أمراض متخفية تفتك بروح الإنسان قبل أن تفتك بغيره .
? إن نيل الفيوضات الإيمانية والروحية مرتبطة بشكل مباشر بقوة الامتزاج والاندماج مع قدسية المكان وجوهر الممارسة بحيث يعيش المؤمن حالة التفاعل والعروج معهما ، فمجاورة الأماكن وممارسة الطاعات المجردة هو في حقيقته مجاورة واهمة ، وممارسة كاذبة لأنها لا تحتوي على تفاعل حقيقي معها.
? من أعظم تجليات الرحمة العظيمة لله عز وجل بعباده المؤمنين أن منحهم محطات عبادية استثنائية يستطيع من خلالها أحداث تغيير جذري في مسيرة حياتهم ، وتحديد مستقبلهم الأخروي وإيصالهم إلى مراتب كمالية راقية في العلاقة مع الله والتعامل مع الناس .
? هيئ الله للمؤمنين في الأشهر العبادية الأجواء الإيمانية والروحية التي تكسبهم حالة الرقي المعنوي إذا ما أحسنوا استغلالها في إعادة حساباتهم الدنيوية مع الله ومع بني البشر ، وأوكل إليهم قرار التغيير والعودة والتوبة والإنابة إليه ، فالمؤمن الفطن هو من بادر إلى استغلال قطار تلك الأشهر قبل ترجله منه خالي الوِفاض.
? الأشهر العبادية محطات إلهية استثنائية تخرج المؤمنين من دوامة الماديات إلى محطة الراحة الروحية من خلال المكتسبات الإيمانية والأغذية الروحية التي يجتهد في الحصول عليها بتفريغ جزء من أوقات هذه الشهور للتزود بها.
?تعتبر الأشهر العبادية المرحلة المتقدمة للعروج والسير إلى الله ، وهي مرحلة المسارعة للعمل والقرب من الله التي وصفها الله في كتابه بقوله : وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ .
?إن تحقيق التكامل الروحي في الحياة بشكل عام والمواسم العبادية بشكل خاص مرهون بخطة مدروسة ومتدرجة لها تقسيماتها ومراحلها الزمنية تبدأ بمرحلة دراسة نقاط الضعف القوة ، ومرحلة تتبع سيرة أئمة أهل البيت(ع) ، ومرحلة المعرفة للعوارض التي تنتاب مجمل السائرين طريق الله كالقبض والبسط ، وإعراض الخلق ، وضيق الصدر ، وهجوم الوساوس.
?إن السير في طريق التربية الروحية والإيمانية سير طويل وصعب مملوء بالهفوات والعراقيل التي قد تحول أمام استمرارية ورقي السائرين فيه ، فيركن البعض منهم لحالات الفشل والأخطاء التي تواجههم ، وتنتابهم حالة الاحباط والكسل مما يضعف عزيمتهم وقناعتهم لإكمال مسيرة ذلك الطريق الشاق .