من ذاكرة التاريخ - ( الحلقة الثامنة ) ، وفاة المرحوم : عبدالكريم عبدالنبي حسين العبدالله أبوعبدالله
( 1370 هـ ــ 1393هـ)
ما أن أشرقت شمس ذلك اليوم ، ولا أنسى أنه عصر يوم السبت الرابع من شهر ربيع الثاني سنة ( 1393 هـ ) ، إلا وأهل المنيزلة على موعد مع القدر ، حينها أمسى الأهالي على نبأ وفاة المرحوم (عبدالكريم ) ذو الثلاثة والعشرين ربيعاً ، والذي لم يتعدى زواجه الثلاث من السنوات ، ولم تعلم زوجته انه لن يطول بعريسها العمر، بل أن الفراق قريب بل وقريب جداً ، ولم تشفع صيحات ذلك المولود الرضيع (عبدالله) الابن الوحيد لهما والذي بعد لم يفطم من تناول حليب أمه ، إلا وهو يتيماً تمسح أمه بيدها على رأسه بين حين وآخر ، وتسمعه نغمات ( نام يا حبيبي قرير العين ) ، فأبوك قد رحل إلى مثواه الذي لا بد منه عند رب عفوا غفور يتكفله بلطفه ورحمته .
نزل خبر وفاة المغفور له بأذن الله كالصاعقة على أهالي البلدة كافة فضلاً عن ذويه وأقاربه بشكل خاص ، حينها بدأ كلاً ينظر إلى صاحبه وهم في حالة عدم التصديق بالخبر متمنين أن يكون ناقل الخبر كذاباً أشر ينقذهم من صدمتهم هذه ، لكن سرعان ما أنتشر الخبر وعم أرجاء البلدة مؤكدين ذلك ، أستسلم الجميع لأمر الله فلم يكن لهم بداً إلا الرضا بأمر الله والدعاء له بالمغفرة والرحمة وأن يتقبله الله بأحسن القبول .
أما ما كان من قصة وفاته فهي كالتالي :
ركب المرحوم سيارته في ذلك اليوم الصائف ، وهي من نوع شفر مديل 1966 م بيضاء اللون ، وركب معه أصحابه الثلاثة ( محمد عبدالله السعيد بوجاسم وهاني مسلم الموسى بوسامي وعبدالمحسن محمد السلطان ) والأخير من القرية المجاورة ( المنصورة ) عصر يوم السبت متوجهين إلى الهفوف لقضاء عملا ما لديهم ، وما أن عادوا إلى البلدة بعد قضاء حاجتهم ، وأثناء ما هم بداخل سيارتهم مستقلين الطريق ، فسرعان ما قرروا واتفقوا على الذهاب إلى قرية الجفر فاستمروا في طريقهم نحو ذلك ، وبينما هم في جو ألفة يتبادلون أطراف الحديث والسيارة تسير بهم في أمان وطمأئينة ، وما أن قربوا من مبتغاهم ( قرية الجفر) وبالتحديد عند وصولهم إلى المنعطف قبيل الجفر بقليل انحرفت السيارات ولم يستطيع السائق المرحوم من التحكم بها وإعادتها إلى الطريق المستقيم ، الذي كان طريقاً واحداً ذهاباً وإياباً ، وفي هذا المنعطف كان توجد نباعتين للماء لمشروع الري والصرف على اليمين واحدة وعلى الشمال الأخرى ، وهما مبنيتان من الاسمنت والحديد المسلح القوي ، حاول المرحوم وضع رجله والدعس على الفرامل ( البريك ) للتخفيف من الارتطام الذي سوف يحصل لهم وللسيارة لكن دون جدوى ، فأصبح القائد في ذهول من أمره يناظر مرة لرفقائه ومرة للكتلة الخرسانية التي تقترب منها السيارة شيئا فشيئاً ، وهي في حالة عدم التوازن حينها ارتطمت سيارتهم بهذه الكومة الأسمنتية القوية والتي يزيد قوتها وصلابتها كونها حوض ( نباعة ) ماء قد تشرب بداخلها الماء لفترة من الزمن فأصبحت صلدا كالحجارة الصماء ، اصطدمت السيارة بها وجها لوجه ، فمن قوة الاصطدام خفس الجزء الأمامي من السيارة وتداخل بعضه ببعض حتى وصل الجدار الأسمنتي إلى السائق ومرافقه في المقعد الأمامي ، فماذا عسى أن تتحمل سيارة صغيرة مقابل كتلة من الأسمنت والحديد الجاثمة على الأرض كالبنيان المرصوص ، فنتج عنه وفاة الاثنين وهما من كان في المقعدين الأماميين المرحومين (عبد الكريم وعبدالمحسن السلطان ) وإصابة الاثنين الآخرين (محمد السعيد وهاني الموسى ) بإصابات بليغة تم على اثر ذلك نقلهما إلى المستشفى ، وبعد فترة تم شفائهما وخرجا من المستشفى فحمدا لله على سلامتهما ، أما ما كان من أمر المرحوم السلطان ، فقد نقل إلى قريته ( المنصورة ) ومن ثم عمل له مراسيم تشييع ودفن هناك رحمه الله .
وعن ما كان من آمر المرحوم (عبد الكريم ) فقد نقل إلى بستان (العصرية) لتتم مراسيم تغسيله وتشييعه من هناك ، حيث لم يكن بعد قد بني في ذلك الزمان مغتسل في المقبرة ، إضافة إلى أن المقبرة لم تكن مسورة بل مفتوحة من جهاتها الأربع ، وقد حضر تشييعه الكثير من أهالي البلدة ، فما أن وصلت الجنازة المقبرة تسابق الناس للصلاة عليه ومواراته في قبره ، فحضر حشد من الناس مودعين شاباً لطيفا حسن الخلق والأدب ، فبكى عليه الجميع فهو بالنسبة لهم أخ وصديق غاب عنهم فجأة ، فلم يمض ليل ذلك اليوم الذي توفي فيه إلا وهو ملحود في قبره ومعاد عليه التراب ، الذي حجز بينه وبين أهله وناسه ، أشرج اللبن عليه وشبع القبر بالماء وترحم عليه الحضور وقرأوا سورة الفاتحة لروحه ، ومن ثم عادوا أدراجهم من المقبرة إلى منازلهم تعلوا وجوهم الحسرة ولوعة الفقد رحمه الله رحمة الأبرار .
بعد ذلك توجهن نساء البلدة إلى أمه الحاجة : ( لولوة عبدالله العيسى ) وزوجته : ( روضة عبد المحسن العبدالله ) ، على اعتبار أن والده الحاج / عبد النبي العبدالله قد توفى قبله بسنتين رحمه الله ، وهناك في منزلهم الصغير اشتبكن معهن معزين ومواسين لهن على فقد عزيزهن (عبد الكريم) الذي سرعان ما اختطفه البين من أمام اعينهن قبل أن يرتوين منه ، فبهذه فقدت المنيزلة ابناً وشاباً يافعاً كان على موعد مع القدر بسيارته الصغيرة التي لم يدور في خلده عند شرائها أن يكون حتفه بداخلها ، رحمه الله وحشره مع محمد وآل محمد .
إبراهيم حسين البراهيم
في 3 / 12 / 1438 هـ
التعليقات 1
1 pings
عيسى العبدالله
2017-08-28 في 10:45 ص[3] رابط التعليق
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته
جزيت خيرا يا بو كميل ورحم الله الفقيد السعيد ورحم والديك