كثير ما نسمع عن حالات ضعف وكسل تنتاب شريحة من الصائمين في طلب التغيير الإيجابي في حياتهم ، ويتساءلون : لماذا هذا الكسل والضعف الذي يعتري أنفسنا في الإقبال على الله ، بالرغم من وجود النية الصادقة داخل أنفسنا في طلب التغيير إلى الأحسن؟ وللجواب على هذا التساؤل نقول :
أولاً : إن نفس الصائم تميل بالفطرة إلى رغباتها وشهواتها ، لذلك يشعر الصائم أنه منشد إلى الجوانب المادية أكثر من إنشداده للأبعاد الإيمانية والأغذية الروحية ، إذاً فهو بحاجة في بداية الأمر إلى تحكم عقلي ونفسي يضبط من خلاله فكره ورغبته ليرجح عنده الجانب الروحي والإيماني على الجانب المادي والشهوي ، فمن خلال ذلك يستطيع إيجاد رغبة فعلية في إحداث تغيير حقيقي يشمل جوانب حياته في شهر رمضان .
ثانياً : إن الرغبة الفعلية للتغيير لا تنال إلا بوجود إرادة راسخة وتقديم تنازلات عملية عن الإقبال عن الدنيا وملذاتها قدر الإمكان ، والانصراف إلى مايقربه إلى الله ، وكل عمل يساعده على إحداث تغيير إيجابي في حياته خصوصاً في شهر رمضان ، فقد جاء رجل للإمام محمد الجواد (ع) وقال له : أوصني ، قال (ع) : وتقبل ، قال: نعم ، قال (ع) : توسد الصبر ، واعتنق الفقر ، وارفض الشهوات ، وخالف الهوى ، واعلم أنك لن تخلو من عين الله ، فانظر كيف تكون .
ثالثاً : إن الكسل الناشئ عند كثير من الصائمين في شهر رمضان هو نتيجة عدم وجود حالة من التهيئة والاستعداد قبل خوض مضمار شهر رمضان ، كون حالة التهيئة في شهر رجب ، والاستعداد في شهر شعبان تُكسبهم طاقات داخلية إيجابية تثير في ذواتهم الرغبة في طلب التغيير الإيجابي المنشود ، خاصة حينما يحين موعد الانطلاق في بداية شهر رمضان ، من هنا كان الصائمون بحاجة إلى تحويل حالة الضعف والكسل التي تعتريهم في شهر رمضان إلى طاقة إيجابية داخلية لتغيير ذواتهم .
وقد يتساءل البعض : من أين نحصل على الطاقة الإيجابية للتغيير في شهر رمضان ؟ وللجواب على هذا التساؤل نقول :
أولاً : أن يبحث الصائم عن نقطة الانطلاق للتغيير الإيجابي ، وهذه النقطة مناطة بدائرتين أساسيتين في حياته ، بحيث لا يمكن أن يحدث تغييراً حقيقياً في دائرة المحيط الاجتماعي الخارجي له إلا بإحداث تغيير حقيقي في دائرة المحيط الداخلي في نفسه .
لذلك لا يمكن أن يتحول وضع صائم في شهر رمضان إلى درجة أفضل من سابقتها في أي بعد من أبعاد حياته إلا بعد أن يُحدث تغييراً إيجابياً في دائرة محيطه الداخلي ، وهو ما اشارت إليه الآية الكريمة : { لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }الرعد11.
ثانياً : إن أفضل مصدر من مصادر الطاقة للتغيير داخل النفوس هي ممارسة الطقوس والعبادات الواعية لأن أحد أهداف نظام العبادات خاصة في شهر رمضان هو إيجاد طاقة تغيير في نفوس الصائمين ، أو بعبارة أخرى إن إحدى نتائج نظام العبادات المتنوعة التي يزخر بها البرنامج العبادي المأثور في شهر رمضان هو إيجاد طاقة إيجابية كبيرة للتغيير في نفوس الصائمين .
بحيث تتحول تلك الطاقة الإيجابية المتولدة في النفوس إلى إيحاء نفسي في بداياتها ، ثم يتحول الإيحاء النفسي إلى حالة من حالات التغيير الحقيقي ، وفي نهاية المطاف تتحول حالة التغيير مع ديمومة الاستمرار إلى ملكة تغيير حقيقي تشمل جوانب حياته .
لذلك كان شهر رمضان المبارك نقطة تحول إيجابية لكثير من البشر الذين استغلوا فرص أيامه ولياليه ، فأحدثوا تغييراً جذرياً في مسار حياتهم الدنيوية ، وتحديد مصيرهم الأخروي .