من يتأمل في خطبة النبي (ص) في استقبال شهر رمضان يجد تحذيره الشديد من انتشار مرض خطير يُصاب به كثير من الصائمين سواء على المستوى الذاتي أو الاجتماعي وهو مرض النفاق الأخلاقي .
والملفت في الأمر أن النبي (ص) لم يحذر الصائمين من مرض وبائي يصيب أجسامهم ، بقدر تحذيره من مرض معنوي يصيب نفوسهم ، لعلمه أن هذا المرض أشد خطورة وفتكاً بالمؤمن وحياته من غيره .
كذلك لم يحذرهم من مرض النفاق العقائدي بقدر ماحذرهم من النفاق الأخلاقي الذي يقع فيه العلماء فضلاً عن عوام الناس.
ولم يكن تحذير النبي (ص) من انتشار واستحواذ النفاق الأخلاقي على نفوس الصائمين في شهر رمضان إلا من حرصه الشديد عليهم كي لا يصابوا بتبعاته الخطيرة والمهلكة ، فينسف صيامهم ، ويمحق أعمالهم ، ويضيع حسناتهم .
لذلك كان مرض النفاق الأخلاقي من أخطر الأمراض المعنوية التي حذر منها النبي (ص) في شهر رمضان سواء على مستوى النفس كمرض الرياء والسمعة ، والعجب ، والتكبر وغيرها ، أو على مستوى النفاق الأخلاقي الاجتماعي كمرض الحقد ، والحسد ، والغيبة ، والنميمة ، وقطيعة الرحم ، والعداوة ، وأذية المؤمنين وغيرها.
بالمقابل لم يغفل النبي (ص) في خطبته عن إرشاد الصائمين إلى سبيل الوقاية من مرض النفاق الأخلاقي كي يتحصنوا من الوقوع في مصائده المهلكة ، بشرط حرصهم على أخذ جرعات متتالية من مصل صدق النية ، وطهارة القلب ، وذلك حينما قال : فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة ، وقلوب طاهرة.
وهو مصل ذاتي ليس من السهل على أي مؤمن التحلي به إلا من تمتع بمستوى عال من الإيمان والعلم يعطيانه قوة وزخماً على تربية ذاته ، وحب الخير لغيره ، بحيث تكون نيته منبعاً للصدق ونقاء السريرة ، والبعد عن الرياء والسمعة ، ويكون قلبه وعاء طاهراً لحب الناس ، ومنطلقاً للدعاء إلى المسيئين قبل المحسنين منهم .
وهذا لايتم إلا بكبح جماح الأنا وترويضها ، والتأمل في أخلاق ومنهج محمد وآل محمد صلوات الله عليهم اجمعين ، كي يستلهم بصيص من شعاع نورهم الوضاء الذي ينير طريق كل من أراد أن يسلك طريقهم ويهتدي بهديهم .
ولذلك كان تحذير النبي (ص) من الوقوع في مخالب مرض النفاق الأخلاقي تحذيراً مخيفاً بحيث أن الصائم قد لا يستطيع أن يعالج نفسه أو يتداركها إذا استحوذ عليه ذلك المرض وتحكم فيه .
حينها ستذهب كل أعماله أدراج الرياح ، ويكون نتيجة ذلك وصفه بالوصف المشين الذي عبر عنه النبي (ص) بقوله : فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ، وهذا هو الخسران المبين .
تقبل الله صيامكم وطاعاتكم