مع إطلالة شهر رمضان المبارك يطرح البعض تساؤلاً : لماذا تضيقون على المؤمنين دائرة ما يردون ويحبون ممارسته في شهر رمضان خصوصاً إذا كانت تلك الرغبات في دائرة المباحات والأرزاق التي أفاضها الله على عباده ، كممارسة المرح ، والسهر ، والتواصل عبر وسائل الاتصال الاجتماعي ، والسفر ، واللعب بالألعاب الإلكترونية ، ومتابعة المباريات الرياضية ، والمسلسلات التلفزيونية الاجتماعية والفكاهية وغيرها ؟
فنقول : إن الدين دين يسر وليس بعسر ، لكن ثمة أمر عقلي مهم بخصوص هذه الجنبة المهمة ، فإذا كان من حق المؤمن ممارسة المباحات من الرغبات الدنيوية ، فمقتضى العقل يقول : إن شهر رمضان محطة زمنية أوجدها الله للمؤمن كفرصة ذهبية كي يتفرغ لعبادات وأعمال حسنة تدخر وتضاعف له في عالم الآخرة ، وهي فرصة استثنائية إن مضت لا ترجع أبداً ، وقد لا يحالفه العمر للقياها مرة أخرى ، لذلك عليه استغلالها على أكمل وجه ، ولذلك ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : انتهزوا فرص الخير ، فإنها تمر مر السحاب .
أما الرغبات الدنيوية الأخرى ، فالعمر أمام المؤمن لممارستها في أي وقت آخر يختاره ؛ بل بمقدوره تأجيلها في غير شهر رمضان ، وحتى وإن لم يمارسها في هذا الشهر ، فلن يكون لذلك تأثيراً سلبياً في مسيرة حياته أو تعطيلها ، خاصة أن بعض تلك الرغبات يمكنه متابعتها والرجوع لها في وقت آخر بوجود وسائل التكنلوجيا الحديثة التي تمكنه من متابعتها والتعرف على كل تفاصيلها وأحداثها .
فعلى سبيل المثال لا الحصر ، قد تتضارب لدى شاب موعد إحياء ليلة القدر مع توقيت مباراة كرة قدم مهمة لديه خاصة إذا كان شاباً يهوى متابعة كرة القدم لحد الإدمان ، فربما يزهد في إحياء ليلة القدر في شهر رمضان رغبة في متابعة المباراة ، فإذا فاته إحياء ليلة القدر فلا يمكنه تعويضها ، وقد تكون الفرصة الأخيرة التي منحها الله إياها قبل خروجه من عالم الدنيا ، حينها سيكون أكثر الناس ندماً يوم القيامة لكونه لم يتقن استغلال الفرصة الذهبية التي مُنحت له وزهد فيها.
بينما لو زهد في متابعة المباراة في تلك الليلة وفَضل إحياء ليلة القدر ، فلن تتعطل حياته ، أو يخسر شيئاً مهماً بالنسبة له ، بل سيكون ممن اتقن استغلال الفرصة التي منحت له على أكمل وجه ، بل يمكنه تحقيق رغبته الدنيوية في متابعة المباراة عبر رسالة قصيرة تبين له نتيجتها ، وأيضاً يمكنه متابعة مجرياتها عبر تسجيل مرئي ، وقس على ذلك باقي الأمور الدنيوية الأخرى.
لذلك مقتضى العقل يقول : إن ممارسة الرغبات الدنيوية في شهر رمضان مباح ومتاح ، بينما التزود بالأعمال الحسنة فيه أوجب وأفضل .
وإذا تضاربت الرغبات الدنيوية مع الأعمال الحسنة في شهر رمضان فقاعدة الأوليات الحياتية تقول : إن تحقيق الرغبات الدنيوية مهمة ، لكن استغلال فرصة شهر رمضان ، والإقدام على الأعمال الأخروية فيه أهم .