التقاعد هو كلمة المقصود منها نهاية الخدمة في وظيفة وليس المقصود منها نهاية المطاف في الحياة .
التقاعد هو نهاية عقد له مدة محددة مع شركة أو جهة معينة ، لكن عقد حياتك مستمر إلى ما شاء الله ، لماذا تتعكر صفاء الحياة عند البعض وليس الكل ، وللأسف يتحول الوضع عنده إلى حرب إثبات على أنه لا زال قادرًا على العطاء وكأن التقاعد إهانة موجهة إليه بل تنقلب حياته الأسرية والاجتماعية من حياة هادئة ومستقرة إلى فوضى عارمة ، بينما ردة فعل من حوله اتجاه ذلك الانقلاب يكون الاستغراب والتعجب والاستنكار .
لكل المتقاعدين مع الاحترام والتقدير نقول : أن التقاعد هو التوقف عن عطائكم في مجال الوظيفة فقط دون السماح لتوقف عطاءاتكم اتجاه الأسرة والمجتمع ، ومعنى ذلك أن تعيدوا النظر في جدولة أوقاتكم ، فقد كنتم تقضون معظم ساعات يومكم في مجال العمل والوظيفة ، أما الآن لابد وأن تستبدلوا مهام تلك الساعات إلى مهام أخرى تعود عليكم بالفائدة وهذا شاملاً لكلا الجنسين ، فالمتقاعدة هي أيضًا أدت واجبها الوظيفي وانتهى دورها هناك ، لكن قد تكون لها أدوار كثيرة خارج نطاق الوظيفة الضيق إلى محيط حياتها الواسع وتشعر أن لها القدرة والخبرة على إفادة الآخرين بخبرتها في أي مجال من مجالات الحياة أو حتى في مجال الوظيفة فإن مجتمعها متعطش إلى مثل هذه الخبرات فلا تتردد عن القيام بنشاطات اجتماعية تجعلها تتمتع بشخصية متميزة وبصحة نفسية وثقة كبيرة في القدرة على الاستمرارية في العطاء .
وكذلك المتقاعد من جانبه قد تكون له خبرات متعددة بعيدة عن مجال الوظيفة ، فالمجتمع يفتقر لمثل هذه الخبرات وخير مثال على ذلك هو حاجة المزارع إلى من تربّى ونشأ فوق أرضها وله الخبرة والدراية والمعرفة التامة في سُبل وطرق إحياء تلك الأراضي الزراعية التي أصابها الإهمال الواضح في السنوات الأخيرة بسبب انشغال الأبناء عنها في الصناعات الحديثة.
إذن ، ببساطة الإنسان مخلوق ليس له تاريخ انتهاء بل على مدى الحياة يأخذ ويعطي يُفيد ويستفيد اجتماعياً وثقافياً وتربوياً سواءً عندما يكون على رأس العمل أو حتى بعد تقاعده .
فالإنسان يمتلك الكثير والكثير من نعم الله عليه التى لا تُعد ولا تُحصى فمثلاً قد يمتلك قدرة الكتابة في الأدب العربي كالشعر والنثر والخواطر والقصص أو فن الخطابة أو تكون له مهارة مكتسبة في حرفة من الحرف اليدوية كالنجارة وغيرها أو تكون له ميول للفنون التشكيلية .. فيعطيه التقاعد الفرصة للإبداع والتميز فإن الله لم يحدد عمر معين يتوقف عنده الإنسان عن السعي وراء كل ما يجعله متميز ومتجدد ومجتهد ...
توقف عطاء الانسان في الحياة لا علم له به إنما علمه عند الله عز وجل ؛ لذلك أيها المتقاعدون هذه هي الحياة فاتحة لكم أبوابها على مصرعيها بطولها وعرضها ولكم حرية الاختيار والمضي قُدماً نحو النجاح والتفوق بإذن الله .ّ......