التطوع حالة انسانية نابعة من الذات، رسخها الواقع بسبب حاجة الانسان إلى اخيه الانسان ودلالة بينة على ان الفرد مهما اوتي من قدرات ومؤهلات لا يستغني عن اخيه الآخر. تطور هذا التطوع نتيجة تقدم الانسان وتأثير الاديان السماوية والقوانين الوضعية حتى اصبح منظومة انسانية يبرز آثاره بشكل واضح وتنموي على المواطن والمجتمع الدولة كلما يؤدي بشكل منظم.

اقترن التطوع في المفهوم الاسلامي بالأعمال الخيرية المنتمية للمستحبات المؤكد عليها في بعض المواقف، بل بعضها يتحول من فرض كفاية إلى فرض عين في بعض شئون المجتمع. التاريخ الاسلامي زاخر بصور العطاء الخالدة التي حثت عليها الاحاديث النبوية وروايات اهل البيت ، بقي التطوع ذاتيا ومرنا دافعه حب الخير ورغبة الفرد بإثبات وجوده امام نفسه وأمام الآخرين وللحصول على الاجر والثواب.
رغم ان التطوع سمة انسانية دافعها من الداخل وظاهرة منتشرة لدى الناس، لكن حتى نحصل على متطوع محترف يعمل وفق منظومة مؤسساتية لا بد ان يتنقل الفرد بمحطات تطوعية ثلاث، هي المحطة الفردية والمحطة الجماعية والمحطة المؤسساتية او كما اطلقت عليه مثلث التطوع بزواياه الثلاث.
من طبيعة التطوع الفردي صقل المواهب وتهيئة الفرد للتطوع الجماعي والاختلاط بأفراد المجتمع من خلال التعاون والتكافل ومساعدة الآخرين ويساعده على تذويب الانا والتأهيل للعمل بروح الفريق الواحد واكتساب مهارات وخبرات من الآخرين ما دام يتصف بالدافعية وحب التواصل مع الجماعة، لكن يبقى التطوع الفردي ينقصه كثير من الخصائص التي تجعل الفرد يقع في مواقف سلبية رغم محركها الثواب وحب العطاء.
التطوع الجماعي عادة في هذا النوع، أشخاص يعملون بهمة وحماس لكن يفتقرون للانسجام، غير محددين للأهداف ولا يوجد لهم مظلة قيادية مؤهلة تشرف على العمل لأنه غالبا نتيجة ردود افعال ويغلب عليه العشوائية لكنه منتشر في المجتمعات بكثرة خصوصا في حالات الطوارئ.
رغم دافعية وحركية التطوع الفردي والجماعي اللذين يتصفان بالمرونة ولهما مساحة اكبر بالانتشار لدى افراد المجتمع لانهما محررين من القيود والانظمة كما ان القائمين عليهما يتطوعون حسب الرغبة والحالة المزاجية والحاجة الاجتماعية، تزداد مؤشرات التطوع الجماعي في الازمات، وكما هو معروف تطوع الازمات يفتقر إلى التخطيط والتنظيم مما ينتج عنه في بعض الاحيان خسائر، لدرجة انه ينصح في بعض المواقف التطوعية عدم التدخل العشوائي مثل حالات الاسعافات.
من الافضل للمتطوعين ان يمرون بمرحلتين قبل مرحلة المؤسساتية هي مرحلة التطوع الفردي التي هي محطة اثبات وجود واشباع للذات يحفزها الشعور بالنقص وبحثا عن الاجر وحب الآخرين، مما يرسخ عنده التطوع كقيمة دينية واجتماعية ثمينة، ينتقل المتطوع بعدها إلى مرحلة التطوع الجماعي التي تتصف بالاختلاط وبداية الانسجام وترويض النفس بالعمل الجماعي وتقبل الآخر واكتساب خبرة من الآخرين، العمل التطوعي الجماعي مرحلة مهمة في صقل قدرات الفرد وتعزيز رغبته ويكتسب الخبرة وتعويد النفس على العطاء والإيثار لكنها غير كافية في الانتاجية والاتقان والمساهمة في التنمية، لأن اغلب المتطوعين غير مؤهلين وينقصهم التدريب التخصصي كذلك يفتقرون للانسجام والاشراف الاحترافي، مما يترك مجالا للاجتهاد والتخبط.
اذن لا بد من تتويج التطوع الفردي والجماعي بعمل يتصف بالنظام والقانون والهيكلية والتخصص حتى يكون تطوعا فعالا ومنتجا ومساهما في التنمية المستدامة الشاملة هذه المرحلة التي فرضها الواقع الاقتصادي والاجتماعي والانظمة والقوانين وعلاقات مؤسسات المجتمع المدني بالدولة وسيادة القانون هي مرحلة التطوع المؤسساتي المعتمد على الاهداف والتخطيط والادارة العلمية.
لا يقصد بالتطوع المؤسساتي التدخل بشئون المنظمة الخيرية وبأهدافها وبرامجها واجراءاتها لكن توضع في بيئة قانونية وطنية ويترك لها التخطيط ورسم الأهداف واليات التنفيذ بالمشاريع الاجتماعية والثقافية.
الاطار المؤسساتي للتطوع هو الاسلوب الافضل للمساهمة في التنمية المستدامة الذي يتميز بالتخطيط والعمل المنظم له قيادة وفرق عمل تطوعية تخصصية قادرة على ملامسة الحاجات الفردية والمجتمعية وتسد الفراغ التنموي الذي لا يستطيع سده بواسطة القطاعين العام والخاص.
اثبت العمل التطوعي المؤسساتي انه الاجدر والاقرب للمشاريع التنموية التي تظهر العمل في قوالب نظامية وادارات موزعة من خلال الاهداف والمهام والتوصيف ويطابق مفهوم إدارة الموارد البشرية.
التطوع في ذاته هو تنظيم بشري يقوم بالأساس على تنمية الفرد والاستثمار في العنصر البشري وصقل قدراته ومواهبه في عصر المهارات ليكون متطوعا متخصصا ومنظما يقلل تكلفة الخدمات ويعمل وفق نظام إدارة الوقت وقاعدة الأولويات تحت اشراف قيادة تطوعية مؤهلة وبقوانين مرنة.
لكل نوع من أنواع التطوع «الفردي، الجماعي، المؤسساتي» دوره وتأثيره في المجتمع الذي لا غني عنه، لكن من خلال التجارب والدراسات اثبت أن التطوع المؤسساتي هو الفعال للتنمية الشاملة الذي تثق فيه المؤسسات الاقتصادية والتجارية وتعمل معه شراكات منظمة وفق برامج مشتركة.
زوايا مثلث التطوع «التطوع الفردي والتطوع الجماعي والتطوع المؤسساتي» محطات مهمة للحصول على متطوع محترف مؤمن بالعمل الجماعي يخطط وينفذ برامج ومشاريع احترافية تساهم في النمو الاجتماعي والاقتصادي متسما بالجودة، يستمر بالعطاء الاجتماعي ويشعر بالانتماء للتطوع المؤسساتي.