العمل التطوعي في مضمونه وقيمته الاجتماعية لا يتغير، هو العمل لخدمة المجتمع فردا ومنظمة بدون اجر، لكن يأخذ اشكال عديدة حسب التقدم والتطور في الحياة ومتغيراتها السريعة. تحول التطوع من عمل عشوائي غيرمنظم إلى خدمات اجتماعية تنظيمية مؤسساتية بأهداف وتخطيط وتنظيم ورؤية استراتيجية تحكمه انظمة وقوانين وإدارة جعلت من التطوع اكثر فاعلية في المجتمع واكثر تنموية للوطن.
التقدم التقني اثر كثيرا في العمل التطوعي والاجتماعي بحيث اضاف إليه سهولة ويسر بطرق واشكال مختلفة بحيث لم يعد العمل التطوعي يقتصر على الحضور الجسدي او طرح افكار وتنظير. لكن ثورة الاتصالات والمعلوماتية احدثت نقلة نوعية هائلة في مفهوم التطوع والعمل الاجتماعي حتى برزت مصطلحات جديدة مثل انظمة المعلومات الجغرافية التي تحدد مواقع الاحتياجات التطوعية ومواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس البوك والتويتر المعتمدتين كثير على الصورة والكلمة الاعلاميتين.
عصر المعلوماتية والعالم الافتراضي اختصر البعدين الزماني والمكاني وقلل التكاليف في العمل الاجتماعي والتطوعي، ولو أردنا أن نحسبها بلغة الأرقام والتكلفة لقدرت بالمليارات الدولارات على مستوى العالم، ولنا أن نتخيل الوسائط الإعلامية كم قدمت من برامج توضيحية وبيانية وصور في إثارة مشاعر وأحاسيس الناس في كل مكان بواسطة اليوتيوب والواتس اب بشكل مجاني تقدر هذه الأفلام الوثائقية والرسائل المجانية بالتكلفة المالية بالملايين بل المليارات الدولارات، كذلك وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والتويتر وغيرها من التطبيقات المتطورة باستمرار أحدثت تغييرا في تفكير المجتمع بحيث قلبت أنماط تفكير الجماهير والتأثير فيهم وما حدث في الربيع العربي الذي يرجع أسباب تواصله إلى الفيس بوك وانتشار المعلومات والبيانات إلا دليلا على التأثير وتحطيم أسوار التعتيم ومنع المعلومات عن الآخرين. إن الوسائط المعلوماتية وأجهزة الاتصالات مثل الايفون وبرامج الانترنت كلها قفزت بالعمل التنظيمي ومنه العمل الاجتماعي إلى قفزات هائلة اختصرت 50 سنة من العمل الاجتماعي والتطوعي في عدم وجودها. التواصل الاجتماعي لم يقتصر على بقعة جغرافية محدودة بل تعدت إلى مساحات كونية وفضائية شاسعة وبدون تكلفة مادية حتى أتيح للمتطوع والناشط الاجتماعي التواصل بأي بقعة في العالم تتوفر بها وسائل الاتصالات ويشارك في صنع قرارات اجتماعية وتطوعية بأفكاره وأرائه وهو في مكانه.
أيضا شركات الاتصالات في كل دولة تساهم في النشاطات والمشاريع الاجتماعية من منطلق المسئولية الاجتماعية، تشارك بالرسائل والبيانات المجانية لنشر الوعي بالبرامج الدينية والثقافية والوطنية وتقوم بدور نقطة الاتصال بين الأفراد والمنظمات الاجتماعية، أيضا كثيرا من المؤسسات والشركات التجارية تقدم خدمات اجتماعية وتوسعت مسئوليتها الاجتماعية من خلال سهولة الاتصالات ووسائط المعلوماتية بشكل مجاني.
بات من الممكن للمتطوع التفاعل وتقديم خدماته من خلال الوسائل التقنية وهو بعيدا جغرافيا عن المجتمع المستهدف. ما ينقل بالصور والكلمات عن مواقع الكوارث إلا خدمة تطوعية مهمة إلى الآخرين والتأثير في حواسهم وعواطفهم والتفاعل مع الاحداث سريعا والكثير من المتطوعين دفعوا ارواحهم ثمنا من اجل خدمة المجتمع والراي العام العالمي مثل بعض الصحفيين والاطباء والخدمات الانسانية «صحفيون بلا حدود واطباء بلا حدود»، كذلك برزت عدة تقنيات وتطبيقات معلوماتية تسابق الزمن ذللت الصعاب في نقل الكلمة والصورة ونقل المعلومات القصيرة والسريعة والاستجابة لمضمونها حسيا ومعنويا في مختلف بقاع العالم. بدون شك ينطوي «العمل التطوعي التقني» على بعض السلبيات مثل البعد الجسدي المتفاعل مع الحدث المباشر وضعف الترابط الاجتماعي، لكنه طريقة فرضت نفسها بحكم التقدم التقني وافرزت أعمالا تطوعية واجتماعية تلائم مقتضيات عصر المعلوماتية.