هيثم الجار الطيب في حي الفردوس والذي سكن منذ شهرين منزله الجديد يخرج كل صباح ليذهب الى عمله إلا أنه في كل مرة يرى على سيارته غبار بناء البناية التي لم تتضح معالمها هل هي فيلا أم عمارة أم منزل أم جار جديد سيقابله؟ الله أعلم ورسوله وقد تكون بناية سوبر ماركت او مستوصف حي هكذا يبدو عليه وهكذا تمتم هيثم في نفسه ذلك الصباح مرددا (الله يعيننا على زحمة السيارات والمواقف) ليتني لم أبني منزلي في هذه البقعة من الأرض لكن ننتظر ونرى لعل الأمر ينتهي فقط بجار طيب وبسيارة واحدة فقط ليرتاح بالي.
استمر به الحال هكذا الى عام كامل وفي كل يوم يرى أثر تلك الأتربة تتجدد وتكبر ومعها تتضح معالم البناية المقابلة وفي كل مرة يسميها ويصنفها الى أن اعتلى منها جدار وتطاول السماء وحينها فقط أدرك أن ما سيقابله هو واقعا لا محال للجدل (مسجد)، أرخى عيناه الى الأرض وأطلق تنهيدة لا يعلم هل تنهيدة فرحة أم حسرة على شارعه النظيف وحيه الهادئ ماذا سيؤول الية بعد بناء هذا المسجد وتوافد المصلين اليه وكثرة السيارات التي ستقف أمام منزله ثم راح يغوص في أفكاره وخيالاته عندما وقفت سيارة أمام كراج منزله وكان هو في أمر استعجل الخروج لأجله وقد خرج غضِبٌ من هذا الذي لا يحترم خصوصيات الناس ولا حرمات المنازل ويوقف سيارته هكذا أمام باب مرآب سيارته وفي حين انتباهه أشاح ببصره عن البناية وقال لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم أخذ يحدث نفسه (هدأ من روعك يا هيثم لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)
مرت الأيام سريعاً وإذ بالمسجد يتلألأ أمام منزله الجديد وإذ بعشرات السيارات تقف أمام بوابته لأداء الصلاة وفي أول جمعة توقع هيثم بأن عدد المصلين سيزداد الى درجة أنه لابد أن سيقف أحدهم مقابل كراج سيارته ولن يستطيع الخروج من المنزل بسيارته، وجهز الكثير من الكلمات التي سيقولها لصاحب تلك السيارة وما أن هم بالخروج والكلمات التي سينطق بها تتراقص في مخيلة أفكاره حتى تفاجأ بأن لا أحد يوقف سيارته أمام كراجه مستغربا فارغ فاه لما رآه، مردداً أيعقل ذلك؟
ركب سيارته وتوجه الى وجهته ثم عاد وهو مازال مستغربا تكرر ذلك في الجمعة الثانية والثالثة، وفي الجمعة الرابعة قرر أن يغير المسجد الذي يصلي فيه ويذهب الى المسجد الجديد قبالة منزله والذي طالما فكر فيه بأفكار لم يرى منها أي شيء ولتهاونه بقصر المسافة الفاصلة بينه وبين المسجد وصل تلك الجمعة الى المسجد متأخراً داخلاً بسرعة اليه لكي لا تفوته الركعة الأولى، وما أن أكمل صلاته جال ببصره على سقف المسجد متفحصا روعة الزخارف وجمال الرخام المغطى جدرانه وقبابه ، أكمل تسبيحاته وتعقيباته سلم على المصلين وهم بالخروج،
تأخر أيضا في الخروج ولكن هذه المرة بسبب أنه لم يرى حذائه الذي تركه أمام باب المدخل حتى لا تفوته بداية الصلاة فأرشده أحدهم بأنه لابد وأن يراه في الكشوان، ذهب اليه ورفع صوته مناديا أحداً كان يدير ظهره منشغلا بالبحث عن حذاء أحد المصلين سائلا إياه (بني أعطني ذلك الحذاء) ما أن أدار الفتى اليه وجهه حتى اعتلت هيثم علامات الدهشة والاستغراب، محمد!! ماذا تفعل هنا سأل هيثم الفتى والذي كان هو ابنه ماذا يفعل في كشوان المسجد الجديد فأجابه، والدي لقد قررت منذ عرفت بأن البناية التي ستقام أمام منزلنا والتي طالما غمرتنا بغبارها وأتربتها وتذمرت أنت ووالدتي من هذا الأمر ومن ضجيج قادم في المستقبل الينا بسببه أن أعمل فيه رجل كشوان أخدم فيه المصلين وأتبارك بغبار أحذيتهم لعل الله يشفع لنا ويحيطنا ببركاته وأي بركة تمثلت أمامنا يا والدي،
أرخى هيثم عينيه ورفع بهما الى السماء وقال أستغفر الله ربي وأتوب اليه ربي لك الحمد والشكر على ما أوليتني من نعمة الولد الصالح كيف كنت أفكر وماذا كنت أحمل من هم وبماذا كان يفكر ابني وكيف حمله هذا الهم.
(كشوان) لمن لا يعرف معناها: بلغة أهل العراق هو من يمتهن مهنة الحفاظ على القنادر والنعل (جمع نعال) والصنادل (أجلكم الله) في غرفة صغيرة مرتبة تقع في باب المزارات الدينية أو المساجد.
التعليقات 2
2 pings
2017-01-31 في 10:38 ص[3] رابط التعليق
الأخت الأستاذة : سهام طاهر بارك الله فيك على هذا القصة الجميلة الهادفة التي تحمل من وجهة نظري القاصر ثلاث رسائل مهمة :
– سعيد هو من يكون منزله جار للمسجد ليحضى بالخيرات والبركات من الله سبحانه وتعالى .
– رسالة للمصلين المؤمنين في احترام خصوصية المنازل المجاورة للمسجد ووعيهم بأهمية أن لايتم ايقاف السيارات أمام كراجات المنازل .
– وهنيئاً لمن يرزق بولد يكون خادماً في أحد المساجد يقوم على خدمة المصلين والمحافظة على نظافتة اوتهيئته .
بارك الله فيك ولجهودك الطيبة
2017-01-31 في 10:52 ص[3] رابط التعليق
شهادة ورد أعتز به أستاذي وأخي حسين الغدير وشرف لي تواجدكم بن أسطر قصتي المتواضعة
نعم بالفعل ما خرجت به من نتائج اختصرت فكرة القصة وأضف اليها أن طريقة تفكير الأشخاص تختلف وكلاً نتاج ما يرثه من خبرات وتراكمات.
شكراً لك مجددا.