بعد مرور عدة محطات من الحزن والأسى على ماجرى على أهل البيت عليهم السلام بدايةٓ من واقعة الطف التي حدثت في العاشر من محرم سنة ٦١ هجريآ والتي قتل فيها الامام الحسين عليه السلام ونساؤه وأطفاله وإخوته وأصحابه عليهم جميعاً صلوات الله وبركاته والتي يخصص أبناء الشيعة عشرة أيام لتجديد ذكرى هذه الفاجعة من اليوم الأول الى العاشر من شهر محرم مرورآ بذكرى الأربعين (مرور أربعين يوم على مقتلهم عليهم السلام) حيث يتجدد الحزن على العامة والموالين ويقيمون العزاء والولاء من جديد ويتخلل تلك الأحداث عدة محطات إيمانية وحزينة كذكرى وفاة الإمام الحسن بن علي عليه السلام وذكرى وفاة الإمام الرضا وعلي بن الحسين والنبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم خلال ثمانية وستين يوماً وختاما ماقبل اليوم التاسع والستين يتأتي ذكرى وفاة الإمام العسكري والذي من بعده يأتي اليوم والفرح المنتظر.
وتعد تلك المحطات بالمواقع التي تزود أبناء الطائفة الشيعية بمزيدآ من الارتباط بالنبي وأهل بيته ومزيداً من الحب والولاء ومزيداً من التمسك بالقيم والأخلاق والمبادئ التي يناشدون ويطالبون بها والتي طالما سعوا على نشرها امتداداً لما نشره المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم من دستور وشريعة سماوية سمحاء.
وحين تمر الأيام سريعاً وتتنقل بين تلك المحطات الايمانية والحزينة يأتي اليوم التاسع من شهر ربيع الأول في كل عام ليبدد كل تلك الأحزان ويستبدلها بالأفراح ويوسع دائرة الإيمان ليمتد بها الى العمق الولائي والتوحيد الخالص لرب الخلق والذي وحده يصنع العجائب وهو (القادر وحده وغيره لا يقدرون وهو العالم وحده وغيره لا يعلمون) ففي هذا اليوم من عام ٢٦٠ هجرياً تولى مولانا الثاني عشر الإمام المهدي بن الإمام الحسن العسكري عليهما السلام زمام الإمامة بعد وفاة أبيه غدراً وسماً على يد المعتمد العباسي من خلفاء بني العباس، ويذكر أن الإمام المهدي حين تولى مقاليد الإمامة كان عمره الشريف خمس سنوات ولا عجب فلقد سبقه من الأنبياء كما ذكر في القرآن الكريم كلا من نبي الله عيسى ويحيى عليهما السلام وكذلك سبقه جده الإمام الهادي وعمره ثماني سنوات وقبله جده الإمام الجواد وكان عمره سبع أو تسع سنوات.
فلا يؤثر صغر السن وبين قابلية الفيوضات الربانية على الشخص وهنا قدرة الخالق تتجلى (ولله في خلقه شؤون)
هذا التكليف وهذا التشريف وكونه آخر الأئمة جعل الموالين له من الشيعة فرحين فرحاً إستثنائي يُزينون يوم التاسع من كل سنة في شهر ربيع الأول باحتفالية تليق بالحدث وترضي النفوس العاشقة والمحبة لآل البيت عليهم السلام.
وهناك سبب آخر نصت عليه الروايات والأحاديث المتواترة بل تناقلها حتى أبناء العامة من غير الشيعة بل وحتى من لم يؤمن بالشريعة الإسلامية، فالعالم ينتظر المخلص الذي سيبدل بشاعة وألم هذا الكون وما خلفته الحروب والأحداث السيئة وغيرها الى دوحة خضراء غناء تترنم بالعدل والإنصاف وزوال كل الآلام وظهور الزهور البيضاء ليست على الأرض بل في قلوب البشر تُنبأ بعهد السلام والأمان.
وأبناء الشيعة كغيرهم من الناس ترى في أن الإمام المهدي عليه السلام هو ذلك المخلص وذلك الشخص المنتظر لذا فرحة وجوده كانت لهم فرحة استثنائية.
إن حياة الإمام المهدي التي شهدها الخاصة من الناس قصيرة جداً حيث أن حكام الدولة العباسية كانوا ينتظرون ولادته بفارغ الصبر لعلمهم بأنه الإمام الموعود كما ذكر في كل الرسالات السابقة لرسالة الإسلام وكما تصوره العالم أجمع، لذا كانوا يتربصون به ويتحينون الفرص للقضاء عليه حتى قبل ولادته ولكن الله حفظه حتى ولادته وخلال حياته مع والديه وحتى بعد غيابه عن الجميع بغيبة صغرى وكبرى مروية التفاصيل في كثير من كتب الغيبة وحياة الائمة عليهم السلام وبالرغم من غيابه عن الأنظار الا أن لطفه ظل محيط بالكثيرين كالشمس يصل دفؤها ونورها وإن غيبتها السحاب وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الأمر ( والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها السحاب)
اللهم انفعنا بحبه وحفنا بعنايته وألطافه وزين الأرض بطول بقائه وأبدل به الآم الشعوب الى راحة أبدية في دولته المرتقبة المباركة
وكل عام وأنتم بخير وفرح متجدد.