وضع أمير المؤمنين (ع) مئات القواعد في فنون التعامل والحوار بين بني البشر ، ومنها قاعدة السؤال وطلب الحاجة من الغير التي قال فيها : ماءُ وَجْهِكَ جَامِدٌ يُقْطِرُهُ السُّؤَالُ ، فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُهُ.
1⃣ أول جماليات القاعدة العلوية أنها كلمة استعارية تحفل ببلاغة فائقة تشير إلى قيمة العزة والكرامة التي منحها الله تعالى للإنسان ، حيث ورد عن المعصومين (ع) ما مضمونه أن الله تعالى فوض للإنسان بشكل عام ، والمؤمن بشكل خاص كل شيء إلا إذلال نفسه أمام غيره .
2⃣ ثاني جماليات القاعدة العلوية كونها تمثيل واستعارة خلع فيها أمير المؤمنين (ع) النص عن طابع السيولة والجمود على الوجه ، وصاغه بعبارة طريفة لها جاذبيتها وإثارتها وجمالها وعمقها.
3⃣ ثالث جماليات القاعدة العلوية استخدام أمير المؤمنين (ع) نظرية علمية حديثة وهي تحول المادة الجامدة إلى مادة سائلة والتي تُعرف بعملية الانصهار ، وطبقها على وجه الإنسان الذي لا ماء فيه ، لكن أضاف عليه طابع المادة وصفة الماء فجعله وجهاً جامداً ، وجعل السؤال وطلب الحاجة رمزاً ووسيلة لحدوث ظاهرة انصهار ماء الوجه الجامد وتحوله لماء سائل ، وهي ظاهرة اجتماعية لها قيمتها واحكامها ومتانتها بصفتها رمزاً للعزَّة والكرامة .
4⃣رابع جماليات القاعدة العلوية أن أمير المؤمنين (ع) أشار لوجهين مهمين لتطبيق هذه القاعدة السلوكية ، أحدهما وجه إيجابي يصب في مصلحة الإنسان ويصون كرامته ، والثاني وجه سلبي يؤدي إلى إهانته وإذلاله - بالرغم من لجوء الإنسان في الوجهين لنفس الوسيلة المتمثل في السؤال وطلب الحاجة .
فالوجه الإيجابي الذي اشار إليه أمير المؤمنين (ع) يقُدر لصاحب ماء الوجه الجامد أن يحتاج إلى شيء من غيره (كالمال مثلاً) فيحول ماء وجهه من حالته الجامدة إلى سائلة باستخدام وسيلة السؤال ، لكنه سيظفر بطلبته و تقضى حاجته ، وبذلك حفظ المُجيب للسائل ماء وجهه الذي سال بالسؤال ، وأرجعه إلى حجوره جامداً كما كان !! وبذلك حفظ عزه وكرامته كونه لجأ في حاجته إلى أُناس مؤهلين بقضاء الحوائج.
أما الوجه السلبي الذي اشار إليه أمير المؤمنين (ع) يقُدر لصاحب ماء الوجه الجامد أن يحتاج إلى شيء من غيره ، فيحول فيه ماء وجهه من حالته الجامدة إلى سائلة باستخدام نفس الوسيلة التي استخدمها في الوجه الأول وهي وسيلة السؤال ، لكن في هذه الحالة سيتعرض السائل للإهانة والمذلة ، وفي نهاية المطاف لن تقضى حاجته وطلبته ، فيتحول حينئذ ماء وجهه الجامد إلى ماء سائل ليقطر ويتلاشى أمام من خذوله وأهانوه ، فُتذل كرامته ، ويستحقر نفسه ، لأنه لجأ إلى أٌناس ليسوا أهلاً للسؤال وقضاء الحوائج .
5⃣خامس جماليات القاعدة العلوية هو في الصورة الاستعارية لهذه القاعدة ومدى احكامها وعمقها وتعبيرها يكمن في شرط (السؤال ) المرتبط بحاجة الانسان لغيره ، الذي يقوم فيها السؤال بوظيفة الوسيلة لتحويل ماء وجهه الجامد إلى ماء سائل بحيث نبه أمير المؤمنين(ع) جموع البشر حين لجوئهم لتطبيق هذه القاعدة في حياتهم ألا يطبقوها بوجهها السلبي ، وذلك حينما يلجؤوا لأُناس غير مؤهلين بالسؤال وقضاء الحوائج .
فحتم عليهم الإلمام بأخلاقيات وصفات الأشخاص الذين سيلجؤون إليهم قبل طلب حاجتهم منهم ، بحيث يتمكن من تشخيص المؤهلين بذلك دون غيرهم ، وهي قاعدة سلوكية وتربوية وأخلاقية فريدة لا تجدها إلا في مدرسة أمير المؤمنين (ع) .
________________
? وجدي المبارك
التعليقات 1
1 pings
فاضل علي
2016-07-25 في 1:59 ص[3] رابط التعليق
سلمت يداك ياشيخ،