تعيش في داخل كل نفس بشرية إشراقة من آمال لوعود كثيرة جاز لها أن تتحقق متى ما ظلت تلك الإشراقة وقَادة لا تنطفئ بيأس أو تتحطم بإحباطات الزمن العتية، تلك آمال تضيء في حياة من رسم لدربه أهداف عاش لتحقيقها وسعى لذلك بشتى الوسائل.
وهناك آمال ووعود غصت بدهاليز العقول وانحشرت في ترياق القلوب تتردد بين أمل تحققها وبين ألم تلاشيها ممنية أصحابها بمن سيأخذ هذه الآمال وتلك الوعود الى عالم النور وتحقيق الأمنيات، وما زالت الكثير من الحقب البشرية في انتظار بشارة أو شخص من السماء يفي بتلك الوعود ويحقق تلك الأماني ويحيل الخراب الى عمار وساحة الظلم الى عدل وانصاف وتعيش في ظل ما انتظروه رخاء طويلا وسعادة أبدية.
إن عقيدة انتظار المخلص أو المنقذ هي عقيدة عالمية اعتقد بها العديد من الناس منذ ظهور أول ظلم في الكون الى يومنا الحالي ومهما كانت اختلاف الناس في عقيدتهم حول ذلك المنقذ تبقى الفكرة واحدة وهي الخلاص من الألم الذي ألم بها نتيجة لقهر أو لظلم ما والأخذ بحقها في نهاية المطاف فقد كان لدى المصريين القدامى عقيدة أن (نهر النيل) هو ذلك المنقذ ولا أعرف لماذا اتخذوه هو بالذات منقذهم، وكذلك كان الإله(تموز) هو المخلص عند العراقيين القدامى، وتمثل ذلك المنقذ في شخصية (كرشنا) و(رامي) عند الديانة الهندوسية كما حضيت أيضا الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلامية بنفس العقيدة والفكرة فكان نبي الله عيسى عليه السلام الدور الأبرز في جعله ذلك المنقذ والمخلص بينما ما لا زالت اليهودية تنتظره كوعد سماوي لم يأتي الى الان لكي يحقق منجزاتها الكبيرة حسب ما يصرحون به.
وأما الديانة الاسلامية فانقسمت الأمة فيها الى قسمان قسم يراه في شخص صالح عادل لم يولد بعد وقسم آخر يراه في شخص من سلالة ولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنه بالفعل موجود إلا أنه غائب لأسباب كثيرة عن الأنظار وسيظهر متى ما أراد الله له ذلك، وهذا القسم من المسلمين هم من على المذهب (الشيعي الجعفري الاثني عشري) أي من يؤمن بامتداد أهداف ومبادئ الرسالة المحمدية من بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الى وصيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وتناقلها على يد أبنائه الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري وآخرهم محمد بن الحسن وهو المخصوص بقاعدة الانتظار المسمى بالمهدي عليه السلام.
إن أبناء الشيعة يحيون في كل عام ذكرى ولادة الإمام المهدي عليه السلام بأعين دامعة وقلوب حرة مشتاقة للقائه ومناجاته عن قرب وتتنوع وسائل الاحتفال بذكرى الولادة لديهم فمنهم من يحيي تلك الذكرى بأدعية وصلوات لله عز وجل تقربا منهم اليه بأن يعجل في فرجه ويسرع ظهوره ليخلصهم من آلامهم الكثيرة ومحنهم التي عاشوها على مدى العصور والأزمان ومنهم من يضيف لذلك فرحا وابتهاجا فيوزع الحلويات والعصائر على الناس في الشوارع ويعلق الزينة على المنازل وهكذا تتزين ليلة النصف من شعبان في كل عام بطقوس تبقى محفورة في ذاكرة الصغير والكبير أن إمامهم المخلص لألآمهم موجود حاضر معهم فهو اشراقة شمس تطل عليهم في صبيحة كل يوم وظلال آمان يخيم عليهم في كل مساء وأن ظهوره للعيان بات قريباً مع ازدياد الظلم واحتلاك الظلام فقد تواتر على لسان الكثيرين من الأئمة والاولياء عليهم السلام أن الامام المهدي عليه السلام سيظهر متى ما امتلأت الأرض ظلماً وعمها الظلام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( المهدي منا أهل البيت يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجورا).
فهل اعدت الشعوب عدتها لاستقبال ذلك الوعد السماوي الذي تنتظره بشغف آمالها وبفرح جراحاتها وهل بات ذلك قريباً أم ما زال يحتاج الكثير حتى يبصر النور وتشرق شمسه البهية.