المنيزلة نيوز : ابومنتظر الاحمد
الحياء عند الفتاة:

أكّدت التعاليم الإسلامية على الحياء، واعتبرته فضيلة أخلاقية وقيمة أساسية تجب مراعاتها في المجتمع. والدعوة موجهة إلى جميع الأفراد - رجالاً ونساءً- للتحلّي بهذه الصفة، والعمل على تعزيزها. وإن كان التأكيد على حياء المرأة أكثر، لأنّ المسألة بالنسبة إليها أشدّ وأوجب، كما ورد في الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "الحياء حسن، ولكن في النساء أحسن"[1].


ترادف أم تشابه؟





5. سرعة دقات القلب والتنفس
6. شدّ العضلات
7. عدم القدرة على التركيز
أمّا الحياء،
فيُعرّف لغةً بالحشمة ، وهو خُلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح، وهو من أفضل صفات النفس وأجلّها، حيث أشارت الأحاديث إلى أنّه خُلق المؤمنين وسمة أهل الدين والتقوى.
وما يشترك به الخجل والحياء هو الضعف في موقف ما. والحياء يمنع الإنسان من القيام بأعمال سيئة اختياراً، بينما الخجل هو عدم القدرة على القيام بأي عمل (حسن أو قبيح)، وهو- بالتالي- ليس عملاً اختيارياً بل هو ضعفٌ في جميع المواقف.
والحياء مراتب أعلاها وأرقاها مرتبة الحياء من الله- عز وجل- ورسله والمؤمنين، وقد قسّمه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: "الْحَيَاءُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ حَيَاءُ ذَنْبٍ وَحَيَاءُ تَقْصِيرٍ وَحَيَاءُ كَرَامَةٍ وَحَيَاءُ حُبٍّ وَحَيَاءُ هَيْبَةٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ أَهْلٌ وَلِأَهْلِهِ مَرْتَبَةٌ عَلَى حِدَة"6.
بعد بيان الفرق بين الحياء والخجل، والتأكيد على أهمية تعزيز الحياء على المستوى النظري، باعتباره هدفاً من أهداف التربية الإسلاميّة، وتثبيته على المستوى العملي، كسلوك وفضيلة إسلامية يجب التحلّي بها ولا سيما لدى المرأة، نشير إلى أنّ تعزيز هذه القيم يندرج تحت عنوان التربية؛ لذا يجب أن يكون المرشد للتربية على القيم مربياً لا معلماً. والتعليم يندرج ضمن العملية التربوية.
المراحل العمرية الحرجة والمؤثرة في علم النفس التربوي:
هناك مبادئ أساسية للتربية تساهم بشكل مباشر في تعزيز الحياء عند الفتاة، أهمها: مراعاة المراحل العمرية؛ فلكل مرحلة معايير ومنهج تربوي يجب الالتفات إليه ولا سيما في المراحل العمرية الحرجة التي تشكل عاملاً أساسياً في التكوين الفكري والمعرفي للإنسان عموماً، نشير إلى مرحلتين منها:
الأولى :
تسمى مرحلة الطفولة المبكرة، وتمتد من عمر سنتين إلى خمس سنوات، تتوقف عليها سلامة البنيان الجسديّ والعقليّ والنفسيّ إلى حدٍ بعيد. وإنّ نجاح المربي في تعويد الطفل على الانضباط وتأجيل الحاجات خلال هذه المرحلة يهيِّئه للنمو الأخلاقي والقيمي السليم في المراحل اللاحقة.
أما الثانية:
فتسمى مرحلة المراهقة المبكرة، وتمتد من عمر 12 إلى 15 سنة. يجب الالتفات خلالها إلى هواجس المراهق، والتعامل بحكمة مع أزماته؛ لأنّ ذلك يساعد إلى حدٍّ بعيد في سرعة استرجاع المراهق لتوازنه النفسي والانفعالي.
أساليب تعزيز الحياء عند الفتاة:
بعد الالتفات إلى المراحل العمرية الحرجة التي تمرّ بها الفتاة، هناك بعض الأساليب التي تساعد المربي في زرع صفة الحياء وتعزيزها عند الفتاة خصوصاً، منها:
1-العلم النافع:
إنّ أهم مسؤولية تقع على عاتق المربّين (الأسرة) العمل على تعليم الفتيات المعارف الأساسيّة للدين؛ لأنّ المعرفة والعلم أول سُلّم في التربية. والمسألة ليست صعبة ومعقّدة، بل هي بسيطة ولها نتائج إيجابيّة؛ فالطفل في المراحل الأولى يتلقّى العلوم من أهله بقناعة عالية. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام ) في وصيته لابنه الحسن (عليه السلام): "إنما قلبُ الحَدَثِ كالأرض الخالية ما أُلقيَ فيها من شيء قَبِلَتْهُ فبادرتُكَ بالأدب قبل أن يقسوَ قلبُك ويشتغلَ لبُّك"7.
2-التقوى:
هناك علاقة وثيقة بين التقوى والحياء؛ حيث إنّ العبد المؤمن في أعلى درجات التقوى ينصرف عن الذنوب حياءً من الله- عز وجل- . وهنا تبدأ المرحلة الثانية وهي تفاعل المتربي مع المعارف التي تلقاها من أهله. والفتاة في هذه المرحلة تبدأ بترتيب سُلّم قيميّ للمعارف التي تلقّتها، وهنا يأتي دور الأهل في مساعدة الفتاة على إعطاء القيمة- حسب الأولوية- من تلك المعارف التي كانت قد تلقّتها سابقاً. لكن يجب الابتعاد عن التلقين واتّباع أسلوب التحفيز والترغيب، ففي هذه المرحلة خصوصية وحسّاسيّة عالية؛ حيث إنّه لا يمكن بناء سُلَّم القِيَم على الإكراه، وكما يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): "إنّ القلب إذا أُكِره عَمِيَ"8.
3-الأسوة والقدوة:
مما لا شك فيه أنّ الإنسان يميل إلى الكمال بفطرته ويتأسى بالصالحين. وهذا التأسي يمكن أن يحصل إمّا بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة؛ وبتعبيرٍ آخر، عندما يقتدي الإنسان بالأنبياء والصالحين، إنما يقتدي بسيرتهم، التي تحكي عن إيمانهم وأخلاقهم وتصرفاتهم... فهو لم يرَ هؤلاء الصالحين، ولم يسمع منهم مباشرة، بل قرأ سيرتهم، وبذلك فهم قدوة غير مباشرة لمن لم يعش في زمانهم.
وعليه
فإنّ دور المربي دورٌ رئيسٌ في تعريف الفتاة بسيرة الأنبياء والصالحين ولا سيما بسيرة من يجب أن تقتدي بهنّ من نساء العالمين؛ السيدة الزهراء(عليها السلام)، والسيدة زينب(عليها السلام)... وغيرهما.
أما القدوة المباشرة فهي المربي نفسه، الذي يعيش مع الطفل في كلّ تفاصيل حياته. وكما هو معروف، فإنّ الصغار يقلدون الكبار؛ الصبية يقلدون آباءهم، والفتيات يقلدن أمهاتهن.
ولعل من أخطر المبادئ التربوية تعليم الصغار أموراً لا يقوم المربي بتطبيقها؛ لأنّ ذلك يؤدي إلى فقدان الثقة به، وبالتالي إيجاد خلل في السُّلَّم القيميّ للمتربّين؛ لذا يجب أن يتطابق قول المربّي مع فعله، {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (سورة البقرة، الآية44). وفي آية أخرى قال- تعالى- : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} (سورة الصف، الآيتان2-3)؛ فلا يمكن أن نُعلّم بناتنا أن يغضضن أصواتهن ولا نغضض من أصواتنا، ولا يمكن أن نعلمهنّ الحشمة، والعلاقة التي تسود داخل المنزل أو خارجه هي عدم الاحتشام.
4-الحجاب:
يعدّ الحجاب والستر عن غير المحارم من أهم العوامل التي تساعد في تقوية الحياء عند الفتاة. وللأسف فإنّ بعض العائلات لا يراعي الحجاب الشرعي للفتيات، باعتبار أنهنّ صغيرات.
إنّ ما يجب الالتفات إليه هو عدم جواز الاستخفاف بحجاب الفتاة؛ لأنّه مفروضٌ عليها منذ سنّ التكليف الشرعي، كما هو مفروض على المرأة المتقدمة في السنّ (التي تبلغ مرتبة القواعد من النساء) ولا فرق بينهما أبداً، وهذا ما جاء في الشريعة الإسلامية. وهناك مسألة أخرى يجب الالتفات إليها حتى داخل المنزل، وهي عدم إطلاق العنان للفتيات الصغيرات والمكلفات بلبس الثياب الخلاعية؛ لأن هذا الأمر غير مقبول من الناحية التربوية؛ حيث يشير التربويون والمختصون إلى وجود تأثير متبادل بين ظاهر الإنسان وباطنه. وبالتالي فإنّ ارتداء الفتاة لهذه الملابس، قد يكشف إمّا عن عدم قناعتها بحجابها وسترها، أو عن اعتبار الحجاب زياً مفروضاً عليها أمام غير المحارم، وفي الخارج فقط. لذلك فإنّ المطلوب هو تعويد الفتيات على اللباس المحتشم وغير الخلاعي داخل المنزل، أو خارجه إذا لم تكن مكلفة، وأصبحت على مشارف سنّ التكليف.
5-عدم الاختلاط:
يعدّ الاختلاط من أهم العوامل التي تؤدّي إلى خدش الحشمة وسلب الحياء المطلوب من الجنسين. وللأسف فإنّ هذه الآفة دخلت إلى مجتمعنا؛ فكثيراً ما بتنا نرى السهرات والمحافل المختلطة، وما قد يتخللها من شبهات، ولا سيما النظر، والضحك، والمزاح دون مراعاة الضوابط الشرعية. وكما مرّ سابقاً، فإنّ المنزل هو البيئة التي تعيش فيها الفتاة، والإنسان ابن بيئته؛ فمن يعش في بيئة سليمة محصّنة يكن محصّناً، أما إذا كانت البيئة موبوءة، فإنّ هذا الوباء يسري في جميع أفرادها.
6-الاستماع الحسن:
يجب على الوالدين أن يكونا مستمعين جيدين لابنتهما، وأن يتركا المجال للفتاة لتعبّر عن رأيها؛ لأنّ قمعها، وعدم السماح لها بالمشاركة وإبداء الرأي في مختلف المسائل يقوّي الخجل لا الحياء، وهذه آفة نفسية وليست فضيلة.
7- الاحترام المتبادل:
لعل من أهم الموضوعات التي تقوّي الحياء عند الفتاة الاحترام المتبادل بينها وبين والديها؛ فتتحدّث وتمزح ضمن حدود وضوابط، وتتعامل معهما باحترام، فتتم المحافظة على قَوَامِيّة الأب، ودور الأم في تربية أطفالها. فالاحترام يولّد الحياء؛ فتستحي الفتاة من القيام بأعمال مشينة أمام والديها، احتراماً لهما وليس خوفاً منهما، وهذا هو المطلوب؛ لأنّ الخوف نتيجته الخجل، أمّا الاحترام، فينتج عنه الحياء.
وإنّ احترام الأبناء لآبائهم لا يمكن أن ينشأ إلا من خلال الاحترام المتبادل؛ فعلى الأهل أولاً احترام أبنائهم؛ كونهم المربين الذين يقتدون بهم، وفاقد الشَّيء لا يعطيه.
8- الحب والعطف والحنان:
الحب وحده والعلاقة العاطفية المرفقة بالحنان من الأمور التي تقوّي الحياء عند الفتاة. وقد يقول قائل إنّ كل الآباء والأمهات يُحِبّوُنَ أبناءهم، هذا صحيح، لكن يجب إظهار هذا الحب وبشكل مستمر؛- وإن غاب الأمر عن الأهل بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والعملية الضاغطة- لأننا كثيراً ما نسمع أبناءنا يسألوننا بشكل متكرر عن مدى حبنا لهم، ولا سيما الفتيات لشدة حسّاسيتهنّ وارتباطهنّ بأهلهنّ؛ وهذا دليل على حاجة الأولاد إلى المحبة والمَوَدَّة. لذا علينا أن نجسّد حبنا لهم قولاً وعملاً، وكلما زاد اهتمام الأهل وحُبُّهم لأبنائهم كلما زاد حياء الأبناء منهم.
وفي الختام، وإن كان محور حديثنا عن تقوية الحياء لدى الفتيات داخل الأسرة، إلا أنّ هذه الأساليب تنسحب- أيضاً- على المؤسسات التربوية التي تشكل جزءاً أساسياً من مثلث التربية: الأسرة، المدرسة، المجتمع. فإنّ تربية الفتيات داخل الأسرة واختيار المدرسة المناسبة لهنّ يمكن أن يحصنهنّ في مواجهة مجتمعاتنا التي تحتوي كثيراً من الآفات الأخلاقية والثقافة غير الإسلامية.
[1] الهندي، علاء الدين: كنز العمال. (لا ط)، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409هـ ، ج15، ص896، ح43542.
[2] ابن أبي طالب، الإمام علي(عليه السلام): نهج البلاغة. شرح محمد عبده. ط1، دار الذخائر، قم، 1412هـ.ق، ج4، ص50.
[3] العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة. ط2، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، 1414هـ.ق، ج12، ص168.
[4] الكليني، محمد بن يعقوب: الكافي. ط4، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365هـ.ش، ج2، باب الحياء، ص106، ح5.
5 ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب. ط2، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1412هـ ، ج3، مادة حيا، ص429.
6 النوري، حسين: مستدرك الوسائل. ط2، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، بيروت، 1408هـ .ق، ج8، ص461.
7 المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار. ط2، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403هـ .ق، ج1، ص222.
8 ابن أبي طالب(عليه السلام): نهج البلاغة، (م.س)، ج4، ص44.