الجزء الثاني
◾ دلالة غاية في الدقة يستخلص من منح الإمام علي زين العابدين (ع) عمته زينب (ع) لقب عالمة غير معلمة يدل على المقام الرفيع الذي وهبه الله تعالى لها ، ولولا ذلك لما نعتها بهذا النعت الخاص ، وهو كناية أن العلم الزينبي هو من سنخ العلم الممنوح للبيت النبوي الرفيع لأنها منتمية ومتحدة معهم في الطينة ، ولكونها تمتلك من سمات القابلية والتهذيب المكتسب من جدها وأبيها وأمها وأخويها ، فأكرمها الله بالعلم اللدُنّيّ المُفاض.
◾ يستخلص من خطاب الإمام المعصوم علي زين العابدين (ع) لعمته زينب (ع) : عالمة غير معلمة ، تبياناً لشأنها وعظمتها ، وإظهاراً لشكره لها فيما أسدته (ع) إليه من أمور جليلة كبرى بالإضافة لوقوفها بجانبه ، و افتدائها بنفسها من أجل المحافظة على حياته.
◾ ترادف رائع في وشاج الارتباط الأبوي بين السيدة زينب(ع) وأمها فاطمة الزهراء(ع) ، فكما كانت السيدة الزهراء(ع) أم لأبيها ، فاسم زينب بعد سقوط الألف يعني زينة وقرة عين أبيها ، فكانت بإيمانها وتقواها وعلمها وفضلها زينة وفخراً لأبيها أمير المؤمنين (ع).
◾ إن المتتبع لسيرة الإمام الحسين (ع) يلاحظ بشكل جلي إظهار الإمام الحسين (ع) احتراماً وإجلالاً منقطع النظير لأخته السيدة زينب(ع) بحيث إذا زارته(ع) قام إجلالاً لها ، وكان يُجلِسُها في مكانه ، بل يكفي من جلالة قَدْرِها ونَبالةِ شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنّها دخلت على الحسين (ع) وكان يقرأ القرآن ، فوضع القرآن وقام إجلالاً لها.
◾ إن رباط التوأمية بين السيدة زينب(ع) وأخيها الإمام الحسين(ع) سر وطلسم يحار فيه لباب العقل والفكر في فك طلاسمه ، لأنها حالة إنسانية استثنائية امتزج فيها جسمين وروحين ورسالتين ، لدرجة لم ينفك رباط التوأمية عن بعضهما طيلة الحياة وحتى بعد الممات .
◾ يجب أن نعي تماماً أن اختيار السيدة زينب(ع) لأخيها أبي الفضل العباس (ع) ليكون كفيلاً لها بعد وفاة أبيها أمير المؤمنين (ع) ليس بناء على عاطفة الأخوة فقط ؛ بل بقدر علمها وإلمامها بما تحمله شخصية العباس(ع)من ميزات استثنائية تؤهله لنيل هذه المهمة الكبيرة من بين أخوته.
◾ تعتبر السيدة زينب (ع) الراوية والناقلة للأحداث تاريخية مهمة في تاريخ أهل البيت (ع) منها : قصّة نزول طعام الجنّة ، وقصة عبادةَ أمّها الزهراء وظلامتها وخطبتها ، و قصّة ولادة أخيها الإمام الحسين(ع) ، وقصّة دفن أمير المؤمنين(ع( ، وأحداث كربلاء وما شهدته من ظلامات في حق الإمام الحسين (ع) وأهل البيت(ع).
◾ مارست السيدة زينب(ع) دور العالمة والمعلمة في مدينة الكوفة أيام أبيها في مجلس نسائي يحضره نساء أهل الكوفة تفقههن في دينهم وعقائدهم ، وتفسر لهن القرآن وتستنبط أحكامه ، وتجيبهن عن مسائل الحلال والحرام.
◾شابهت السيدة زينب(ع) أُمَّها سيّدةَ نساء العالمين فاطمةَ الزهراء(ع) في عبادتها ، فعُدت من القانتات اللائي وَقَفنَ حركاتهنّ وسكناتهنّ وأنفاسهنّ للباري تعالى ، فكانت تقضي ليلها بالصلاة والتهجّد ، ولم تترك نوافلها حتّى في أحلَك الظروف وأصعبها ، وهذا مايرويه عن الإمام زين العابدين (ع) أنّه قال: إنّ عمّته زينب(ع) ما تَرَكت نوافلها الليليّة مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في كربلاء وفي طريقهم إلى الشام ، فحصلت بذلك على المنزلة الرفيعة والدرجة العالية التي حَاكَت برفعتها منازلَ المُرسلين ودرجات الأوصياء(ع).
◾ حازت السيدة زينب (ع) على الصفات الحميدة والمنزلة العلميّة الرفيعة التي لم يَحُزْها بعد أُمّها أحد ، وانفردت في الحجاب والعفاف بحيث لم يَرَ شخصَها أحدٌ من الرجال في زمان أبيها وأخوَيها إلى يوم الطفّ ، حتّى حقّ أن يُقال عنها : الصدّيقة الصغرى وعقيلة الهاشميّين(ع).
◾ هُيئت السيدة الحوراء (ع) للقيام بدورها الإعلامي والقيادي في الثورة الحسينية من خلال ثلاثة أبعاد الأول : عن طريق مصاحبتها لستة من المعصومين (ع) وهم : النبي محمد والسيدة فاطمة والإمام علي والحسن والحسين والسجاد(ع) ، والبعد الثاني : يتمثل في البعد المعرفي والعبادي الاستثنائي للسيدة الحوراء(ع) وعلاقتها مع خالقها ، والبعد الثالث : عنصر التجربة الحياتية التي عاشتها السيدة زينب (ع) منذ صغرها التي أصقلت شخصيتها من خلال مواكبتها للأحداث التاريخية التي جرت في عهد جدها وأمها وأبيها وأخويها الإمامين الحسن (ع) و الحسين (ع) .
◾ اعتمدت الثورة الحسينية على محوريين استراتيجيين هما المحور الإعلامي والمحور القيادي ، واحتاج هذان الدوران لشخصية حضرت كربلاء وعاشتها بكل أحداثها ومآسيها تتمتع بقدرات وإمكانيات فريدة تؤهلها للقيام بمهام وواجبات الدورين معاً ، فلم يقع الاصطفاء المتقن إلا على امرأة اسمها الحوراء زينب بنت علي(ع).
◾ إن تصدى السيدة زينب (ع) للدور الريادي والقيادي في فاجعة كربلاء ومابعدها ، لم يأت اعتباطاً بل لغايات إستراتيجية ورؤى مصيرية خطط لها أهل البيت (ع) منذ أمد طويل ، ومن دلائل ذلك : منح الإمام الحسين (ع) لزمام القيادة لأختَه العقيلةَ (ع) وائتمانها على أسرار الإمامة ونيابتها الخاصة عنه حتى برئ زين العابدين(ع) من مرضه ، ومحافظتها على حياة إمام زمانها الإمام علي السجاد(ع) ، ودفاعها عن عائلة الولاية وكفالة النساء والأطفال.
◾ لم يقتصر دور السيدة زينب (ع)في النهضة الحسينية على تمثيل شخصية المعصوم و التعبير عن رأيه فحسب ؛ بل كان أكثر شمولية وأتساعاً بحيث أصبحت مؤهلة إلى ترجمة كلام المعصوم وتبيان غاياته المصيرية المستخلصة من المعاني الدقيقة من مفردات كلماته ودلالات حركاته ، وهو دور خطير وحساس ليس بمقدور أي إنسان القيام بمهامه الخطيرة مهما كانت منزلته ومستوى قدراته.
◾ لم تكن فاجعة كربلاء بحاجة إلى إنسان يقرأ نصاً ويستنبط حكماً شرعياً ؛ بقدر حاجتها إلى إنسان أعلى من هذه المرتبة والمكانة ، بمعنى أدق كانت بحاجة إلى إنسان استثنائي يتمتع بشخصية متكاملة محاطة بذكاء وفطنة متناهيتين بحيث لا يحتاج إلا إلى إشارة من الإمام المعصوم فيقوم مباشرة بترجمتها بلسانه و موقفه ، وهو معنى غاية في الدقة والتحليل في فنون التعامل مع المواقف واتخاذ القرارات الحاسمة والسريعة ، وهو أحد الأسباب الجوهرية التي على أساسه اخُتِيرت السيدة زينب (ع) لتمثيل الدور الإعلامي والقيادي في كربلاء ومابعدها .
◾ لايمكن أن تجد إنساناً في تاريخ البشر ملك من الكفاءة الكاملة والقدرة الفريدة مكنته للقيام بدور القيادة والنيابة عن الإمام المعصوم المفترض الطاعة من الله في يوم عاشوراء ومابعده إلا امرأة اسمها زينب بنت علي (ع) .