الجزء الأول
- الإمام محمد بن علي الجواد (ع) هو تاسع أئمة أهل البيت(ع) الذين أوصى إليهم رسول الله (ص) بأمر من الله سبحانه لتولّي مهام الإمامة والقيادة للأمة من بعده ، والتي أثبتتها نصوص القرآن وتواترت الروايات الشريفة في حقهم وأبانت عصمتهم ، فجسدت شخصية الإمام الجواد (ع المثل السماوية العُليا والأخلاق المحمدية التي أهلته لتسلم مقاليد الإمامة الرسالية والزعامة الربّانية من بعد أبيه الإمام علي بن موسى الرضا (ع) .
- ينتسب الإمام محمد بن علي الجواد(ع) إلى الأصول الكريمة، والأرحام المطهرة للسلالة النبوية الطاهرة المشتملة على عناصر الفضيلة والكمال، والمخصوصة بالعلم والإيمان ، فأبوه الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى بن جعفر ابن الإمام محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) التي عبر عنها الإمام الرضا(ع) بالسلسلة الذهبية ، أما أمه فالسيدة الفاضلة الكريمة ويقال أن اسمها الخيزران سماها به الإمام علي الرضا (ع) وكانت تسمى قبله بدرّة ، وقيل اسمها ريحانة ، وقيل : سبيكة ، وقيل : سكينة النوبية، وقيل : المريســـية، وقـــــيل: إنها ممن تنتمي إلى ماريـــة القبطـــية زوجـــة الرسول الأعظم (ص) ، ومن المؤسف أنّ المصادر التاريخية لم تشر إلى أي جانب من جوانب حياتها.
- انتهج النبي محمد (ص) وأئمة أهل البيت(ع) منهج التبشير بميلاد الأئمة الطاهرين، وكان من ضمن من شملهم هذا التبشير ميلاد الإمام محمد بن علي الجواد (ع) ومن ذلك الرواية التي ينقلها الشيخ الصدوق (رض) عن الإمام الحسين بن علي (ع) قال: دخلت على رسول اللّه (ص) فقال: ... وإنّ اللّه عزّ وجلّ ركّب في صلبه ( أي في صلب أبي الحسن الرضا ) ]نطفة مباركة، طيّبة، زكيّة، رضيّة، مرضيّة. وسمّاها محمد بن علي، فهو شفيع شيعته، ووارث علم جدّه، له علامة بيّنة وحجّة ظاهرة.
- اختلفت الروايات والكتب التاريخية في تحديد تاريخ ميلاد الإمام محمد الجواد(ع) ، فأما الروايات المروية عن أهل البيت (ع) فقد حددت ميلاده بالمدينة المنورة ليلة الجمعة النصف من شهر رمضان سنة 195 من الهجرة في الرواية التي ينقله أبو جعفر الطبري عن الحسن بن علي العسكري (ع) ، ورواية أخرى ينقلها الكفعمي في حديث طويل ومنه الدعاء في أيّام رجب: « اللهمّ إنّي أسألك بالمولودين في رجب: محمد بن علي الثاني، وابنه علي ابن محمد المنتجب ، التي تدلل على ميلاده في شهر رجب في نفس السنة ، أما الكتب التاريخية فاختلفت في تحديد ذلك فنُقل أنه ولد في : العاشر من رجب ، وقيل في النصف أو التاسع عشر من رمضان ، وقد اعتادت الشيعة أن تحتفي بميلاده في العاشر من شهر رجب من كل سنة .
- يعتبر الإمام محمد بن علي الجواد(ع) الابن الوحيد للإمام علي الرضا (ع) وهذا مايستشهد عليه من كتب التاريخ والروايات ، فالرواية التي تنقل عن الإمام الرضا(ع) في هذا الجانب التي قال فيها (ع) : إنّي أشهد اللّه أنّه لا تمضي الأيّام والليالي حتّى يرزقني اللّه ولداً منّي ، والرواية الأخرى التي تدلل على سرور الإمام الرضا (ع) حين ولِد الإمام الجواد (ع) وطفق يقول : قد وُلِد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم، قُدست أمّ ولدته... فالتفت إلى أصحابه فبشّرهم بمولوده قائلاً: إنّ الله قد وهب لي من يرثني ، ويرث آل داود... ، والرواية الثالثة التي رواها يحيى الصنعاني أنه دخل على الإمام علي الرضا (ع) وهو بمكة، وكان يقشّر موزاً، ويطعم أبا جعفر، فقلت له: جعلت فداك، هذا المولود المبارك؟ قال (ع): نعم يا يحيى هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مولود أعظم بركة على شيعتنا.
- كنّى الإمام محمد الجواد (ع) بأبي جعفر كأبيه الإمام الرضا (ع) وجدّه الإمام محمد الباقر (ع) ، ويفرق بينهما ( الباقر والجواد) خصوصاً في الروايات المنسوبة إليهما فيقال: للإمام الباقر أبو جعفر الأول، وللإمام الجواد أبو جعفر الثاني ، ولمكانة الإمام محمد الجواد (ع) عند الناس وحبهم وانشدادهم إليه أصبحوا ينعتوه: بعيسى الثاني والعالم الربّاني ، وظاهر المعاني ، وقليل التواني ، والمتوشّح بالرضا، والمستسلم للقضاء ، الرضا ابن الرضا، وقرّة أعين المؤمنين، وغيظ الملحدين ، وأُعجوبة أهل البيت، ونادرة الدهر، وبديع الزمان ، وذو الكرامات، والمؤيّد بالمعجزات ، وصاحب الخضرة، والفائق على المشائخ في الصغر، و المبرّز على كافّة ذوي أهل الفضل، وأفضل أهل الدنيا في الصبى، والكامل في السودد والهدى والحكمة والعلم، وهادي القضاة، وسيّد الهداة،و نور المهتدين، وسراج المتعبّدين، ومصباح المتهجّدين.
- تعددت ألقاب الإمام محمد الجواد (ع) التي دلت على معالم شخصيته العظيمة، وسمو ذاته فمنها : القانع ، والمرتضى، والنجيب، والمنتجب ، والصادق، والصابر، والفاضل، والمختار، والمرضي، والمتوكّل، والمتّقي، والزكي ، والهادي ، والوصي ، والرضي ، ومن أبرز تلك الألقاب التقي: ولقب بذلك لأنه اتقى الله وأناب إليه وآثر طاعته على كل شيء ، ومن أشهر تلك الألقاب : الجواد ولُقِّب بذلك لكثرة ما أسداه من الخير والبر والإحسان إلى الناس ، ولقب باب المراد: وقد عُرِف بهذا اللقب عند عامة المسلمين التي آمنت بأنه باب من أبواب الرحمة الإلهيّة التي يلجأ إليها الملهوفون وذوو الحاجة لدفع ما ألّم بهم من مكاره الدهر وفجائع الأيام.
- نشأ الإمام محمد الجواد (ع) في بيت النبوة والإمامة ذلك البيت الذي أعزّ الله به المسلمين وقد ترعرع (ع) في ظلاله وهو يتلقّى المثُل العليا من أبيه الإمام علي الرضا (ع) ، وقد أفاض عليه أشعة من روحه العظيمة، و تولى بذاته تربيته وعنايته ، فكان يصحبه في حلّه وسفره، ويطعمه بنفسه،وهو لون من ألوان التربية المطعّم بالحبّ والتكريم كان له الأثر البالغ في التكوين النفسي وازدهار الشخصية العملاقة التي اكتنفت شخصية الإمام محمد بن علي الجواد (ع).
- واجهت عقيدة الإمامة حركة مستمرة من التشكيك والتظليل منذ بداياتها حتى جاءت فترة إمامة الإمام الجواد(ع) الذي يعتبر أول إمام من أئمة أهل البيت (ع) يتولى منصب الإمامة في سن مبكرة لم تتعد سبع سنين وأربعة أشهر ، لتمثل إمامته أول رد على أولئك المشككين بإرادة الله ومشيئته كونها حالة اصطفاء رباني لا اختيار إنساني يصطفي الله من يشاء من عباده ليكونوا في منزلة النبوة والخلاقة والإمامة وهي إرادة لا ترتبط بإرادة البشر وميولهم ، فنصب الله محمد بن علي الجواد (ع) خليفة في أرضه وحجة على عباده وإماماً مهدياً منصوصاً عليه من السماء -بالرغم من حداثة سنه الذي لم يبلغ فيه الثامنة من عمره الشريف.
- بالرغم من قِصر الفترة التي قضاها الإمام محمد بن علي الجواد (ع) في حياة أبيه ، لكنه قام بدور مهم في رعاية وإدارة شؤون أبيه الإمام الرضا (ع) خصوصاً ما كان منها بالمدينة المنورة ويقول المؤرّخون: إنّه كان يأمر الموالي، وينهاهم ، ولا يخالفه أحد في ذلك ، وكان الإمام الرضا (ع) مسروراً بقيام ابنه بمهامه وشؤونه بدليل الرسالة التي بعثها الإمام الرضا (ع) له وهو في خراسان التي أوصاه فيها بوصايه القيمة في تعامله مع الرعية .
- استبق الإمام علي الرضا (ع) حالة التشكيك التي ستعتري إمامة ابنه الإمام محمد الجواد(ع) فقال في الرواية المنسوبة إليه : وِلد شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم ، فجاء الإمام محمد الجواد (ع) من بعده ليؤكد تلك الحجية التي احتج بها على المشككين بإمامته هي حجية الجعل الإلهي التي أبانها القرآن الكريم ، وهي تلك الحجية التي يتفق عليها كل الديانات بمن فيهم المسلمون ، وذلك حينما أثارت حداثة سن نبي الله عيسى (ع) استغراب اليهود وتشكيكاتهم بنبوته، فأنطقه الله وهو في المهد بقوله: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً }، فلم يقل : سيجعلني الله نبياً ، بل قال : جعلني الله وهو في المهد نبياً !!، وهذا مصداق للجعل والاصطفاء الإلهي لآدم (ع) دون غيره بقوله : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً }، والجعل الإلهي لأئمة الهدى اصطفاهم الله و وصفهم بقوله : {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}.
- احتج الإمام محمد الجواد (ع) على المتنكرين لإمامته وهو في حداثة سنه تارة بحجية قرآنية و تارة أخرى بحجة نبوية ، أما الحجية القرآنية فهي حجية نبي الله يحيي (ع) بقوله تعالى : ( وآتيناه الحكم صبياً) ، واستشهد الإمام الجواد(ع) بحجية جده المصطفى (ص) فقال (ع) : «وما ينكرون من ذلك قول الله عزوجل ، لقد قال الله عزّوجلّ لنبيه (ص): {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }، فو الله ما تبعه إلاّ علي(ع) وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين».