✳ يعد الإمام محمد بن علي الباقر (ع) النطفة والنسمة الهاشمية الطاهرة التي امتزج فيها نسل سبطي النبي وريحانتيه الإمامين الحسن والحسين (ع) ، ودلت الأمة على المنبت الخصب للأصول الكريمة والشجرة الطيبة التي خصها الله في كتابه المجيد.
✳ عُد محمد بن علي الباقر (ع) أول إمام من أئمة أهل البيت (ع) منحدر من السلالة الهاشمية المباركة الذي امتزج فيه الأصل العلوي والرحم الفاطمي لسبطي نبي الرحمة (ص) الإمامين الحسن والحسين (ع).
✳ أولى النبي (ص) لمسألة الخلافة والإمامة جل اهتمامه ، ونادى بها في أكثر من موقف ، وجعلها في أُولى اهتماماته الدينية لأنّها القاعدة الصلبة لتطور أية اُمة في مجالاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية لذا بشر بإمامة أهل البيت (ع)، وهذا إن دل فإنما يدل على حرص النبي واحتياطه في شأن أمته ليكونوا خير أمة أخرجت للناس بجعل زمام القيادة لها في أيدي أئمة مهديين مصطفين من عز وجل .
✳ إن التنصيص على إمامة الإمام محمد الباقر(ع) يعود تاريخياً إلى النصوص التي وردت عن رسول الله(ص) والأئمة (ع) من بعده ، ونصّت على إمامة اثني عشر إماماً بعد رسول الله كلهم من قريش وبني هاشم ، وتداولها الصحابة والتابعون واستند اليه الإمام الباقر(ع) في تبيان ولايته وإمامته ومنه النص الذي رواه جابر بن عبدالله الأنصاري فقال: يا رسول الله وَمَنْ الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟ قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين ، ثم الباقر محمد بن عليّ وستدركه يا جابر، فاذا أدركته فاقرأه منّي السلام .
✳ يكفي الإمام الباقر (ع) أنه الشخصية القيادية التي بشر بها رسول الله (ص) على لسان جابر بن عبد اللـه الأنصاري(رض) ، حينما قال له ياجابر : يولد لعلي ابن الحسين ولد يقال له محمد ، أنه حامل العلم وباقره ، يا جابر إن رأيته فأقرأه مني السلام.
✳ امتاز الإمام الباقر(ع) بحسبه الوضّاح وبمواهبه الروحية والعقلية العظيمة وفضائله النفسية والأخلاقية السامية ممّا جعل صورته صورة متميّزة بين العظماء والمصلحين ، بحيث امتاز في سيرته وسلوكه وبلوغها للكمالات الانسانية أهلته لتولي منصب الإمامة الكبرى في أمة جده بعد أبيه زين الإمام علي زين العابدين(ع) .
✳ أن الصبغة الربانية والذكاء الفطن الذي أمتلكه الإمام محمد الباقر(ع) جعلت من حياته الكريمة مثلاً أعلى للصبغة الإمامية الربانية لتصبح شعاعاً للحياة يضيء درب السالكين إلى اللـه .. حتى يومنا هذا.
✳ واكب الإمام محمد الباقر (ع) أحداث ووقائع اجتماعية وسياسية أدرك طبيعة متغيراتها وفهم اتجاه حركتها وأثرت في بناء شخصيته العلمية والقيادية ومن أهمها : حضوره ملحمة عاشوراء ومقتل جدّه الإمام الحسين(ع) ومواكبته لأحداث السبي في الكوفة والشام واقعة الحرّة في المدينة المنورة .
✳ استطاع الإمام محمد الباقر(ع) مواجهة المشككين في ولايته بتباين منهاجه الرباني الذي انتهجه في حياته وأشار إليه وبين أساسه المتمثل في كتاب الله وسيرة جده الأكرم (ص)والأئمة من أجداه الطاهرين ووجهها في رسالة شفهية لأصدق اصحابه وأخلصهم وهو جابر بن عبدالله الأنصاري(رض) حينما قال له : إنّا لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ، ولكنّا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول اللـه (ص) كما يكنز هؤلاء ذهبهم وورقهم.
✳ عندما تريد من الآخرين تبجيل صحابياً عاشر النبي (ص) وصاحبه في حياته ، فالأولى منك أن تعظم طفلاً يافعاً جلس بين يده شيخ من شيوخ صحابته اسمه جابر ابن عبد الله الانصاري ليعلمه ويفهمه ... لدرجة الانبهار من سعة علومه ومعارفه وطفق يقول: يا باقر لقد اُوتيت الحكم صبياً. !!
✳ واجه الإمام محمد الباقر (ع) في حياته نمطين بشريين متناقضين أحدهما نمط المارقين الذين انبهروا من إظهار العلم الغيبي على يديه فزعموا أنه ليس من البشر ، ونمط ثاني هم أولئك المشككين الذين لم يتحملوا غزارة علمه وكرامته عند الله فبخسوا حقه ومكانته .
✳ شارك الإمام محمد الباقر(ع) في مرحلة شبابه أباه السجّاد(ع) خطواته وأساليبه المتعددة في المرحلة التي استغرقت ثلاثة وثلاثين عاماً من أجل إعادة بناء المجتمع الإسلامي وتشييد دعائمه والتي تمثّلت من خلال بثّ القيم العقائدية والأخلاقية والحقوقية وسعيه لإكمال المسيرة وتولي عمليّة التغيير في المجتمع الذي راح يتردّى باستمرار.
✳ إن منهج البناء الاجتماعي للمجتمع الرسالي الرصين التي أنتهجه الإمام محمد الباقر(ع) في حياته ماهو إلا سلسلة متكاملة للمسيرة المحمدية التي بدئها جده الأكبر مولى الموحدين علي بن إبي طالب (ع) ومن بعده الإمام الحسن )ع) وأرسى قواعدها المتينة جده الإمام الحسين (ع) ونشر راية توحيدها أبوه الإمام السجاد(ع) ، فجاء دوره الرائد لبناء صرحها المعرفي المتدفق بالعلوم والمعارف.
✳ عمِل الإمام محمد الباقر (ع) على محاربة الانحرافَ الفكريَ الذي تسبب الاُمويّون في إيجاده بين عامة الناس المتمثل بالعقائد الباطلة كالجبر والتفويض والإرجاء خدمةً لسلطانهم ; لأن هذه المفاهيم تستطيع أن تجعل الاُمة مستسلمة للحكام الطغاة ما دامت تبررّ طغيانهم وعصيانهم لأوامر الله ورسوله .
✳ قام الإمام محمد الباقر(ع) بدور جبّار في تصحيح المفهوم المغلوط والانحراف الخطير في فهم التغيير الذي سرى في الأمة أبان عهد الأمويين فاعتبروه تغييراً في شخص القائد لا تغييراً في خط القيادة يحيث لم يلحظوا تأثيره السلبي على شريعة الإسلام ، لكن الإمام الباقر أبان لهم أن التغيير الذي حصل هو تغيير وانحراف عن خط القيادة الحقة المتمثل فيه وفي آبائه الطاهرين (ع).
✳ ركز الإمام محمد الباقر(ع) على ترويج المفهوم السليم السائد بين عوام الناس وهو : أن استلام زمام الحكم من قبلهم في الأمة ليس مناطاً بالانتصار المسلّح الآنيّ لأنه من وجهة نظرهم انتصار غير كاف لإقامة دعائم الحكم الاسلاميّ المستقر ، بل يتوقف استلامهم لزمام الحكم بوجود مجتمع عقائدي يؤمن بإمامتهم وعصمتهم إيماناً مطلقاً ويعيش همهم وتطلعاتهم ، ويدعم تخطيطهم في مجال الحكم ، ويحرسون ما يحقّقه للاُمة من مصالح أرادها الله لها في هذه الحياة.