المجلس العاشر من محرم 1437هـ
ورد في بعض الروايات عن أهل البيت وتناقلته بعض كتب السير والتاريخ أحاديث تفيد بان الحسين وأصحابه لم يموتوا عطاشى وهذا مخالف لما اشتهر ونقله أهل السير عن أن الحسين وأهل بيته وأصحابه قد قضوا معطشين ضامئين ممنوعين من الماء .
ومن هذه الروايات ما نقل في كتاب دلائل الإمامة وكتاب مدينة المعاجز وكتاب ثاقب المناقب نقلاً عن كتاب البستان تصنيف محمد بن شاذان أنه قال :
سئل علي بن موسى الرضا عن الحسين بن علي (ع) انه قتل عطشانا ؟ قال: من أين ذلك وقد بعث الله له أربعة أملاك من عظماء الملائكة فهبطوا وقالوا: الله ورسوله يقرآن عليك السلام ويقولان اختر إن شئت أن تختار الدنيا وما فيها بأسرها ومكنتك من كل عدو لك أو الرفع إلينا فقال الحسين (ع) وعلى رسول الله السلام بل الرفع إليه ودفعوا إليه شربة ماء فشربها وقال : لا تظمأ بعدها أبداٌ .
وروى: أيضاٌ عن الرضا (ع) أنه هبط على الحسين(ع) ملك وقد شكى إليه أصحابه العطش فقال : إن الله يقرئك السلام ويقول لك : هل من حاجة ؟ فقال الحسين (ع): وقد شكا إلي أصحابي ما هو أعلم به مني من العطش فأوحى الله إلى الملك قل للحسين خط لهم بأصبعك خلف ظهرك يرووا فخط الحسين بأصبعه السبابة فجرى نهر ابيض من اللبن وأحلى من العسل فشرب منه أصحابه .
وروى : ابن شهر آشوب قال : لما منع الحسين (ع) من الماء أخذ سهماٌ وعد فوق خيام النساء تسع خطوات فحفر الموضوع فنبع ماء رطب فشربوا وملاؤا قربهم .
وروى : أن القاسم لما رجع إلى عمه الحسين (ع) من قتال البغاة الخوارج قال : يا عماه العطش أدركني بشربة من الماء فصبره الحسين وأعطاه خاتمه وقال له :حطه في فمك ومصه قال القاسم : فلما وضعته في فمي كأنه عين ماء فارتويت وانقلبت إلى الميدان .
وروى : أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناده عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبدالله (ع) لما منع الحسين الماء نادى فيهم من كان ظمآناٌ فليجيء فآتاه رجل رجل وهو يجعل إبهامه في راحة أحدهم ولم يزل يشرب الرجل بعد الرجل حتى ارتووا فقال بعضهم لبعض : والله لقد شربت شراباٌ ما شربه احد في دار الدنيا .
( أقول ) : إن صحت هذه الروايات فيمكننا أن نجمع ونوفق بينها وبين تلك الروايات المتواترة حد الاستفاضة التي تقول بموت الحسين عطشاً ونحملها على عـدة أوجه :-
1 ــ يمكن أن تكون هذه الروايات صحيحة وقد شرب الحسين وأصحابه الماء لكن قبل أن ترتفع أرواحهم إلى السماء بلحظات قد سقاهم النبي (ص) بكأسه الأوفى.
2 ــ يمكن أن نحمل الأخبار التي دلت على المنع إنما هو من شرب ماء الدنيا فقط وان هذه الأخبار محمولة على إنهم شربوا من ماء الجنة .
3 ــ كذلك يمكن القول أن الروايات على عدم الموت عطشا هي ما في علم الله وما حصل في الواقع الصحيح أما الروايات التي تدل على إنهم ماتوا عطشا فهي ما ظهر للناس .
4 ــ كان منع الحسين وأصحابه من شرب الماء فقط أما كونهم عند العطش يشربون اللبن والحليب من النياق التي كانت معهم فهذا ليس باستطاعة القوم منعهم منه وهذه النياق كثيرة حسب الروايات منها ( أن الحسين كان يحمل الماء معه على 30 ناقة وهي التي سقى منها الحسين الماء الحر وجيشه وهم ألف فارس ، كذلك عندما خرج الحسين من المدينة خرج ومعه 250 من الإبل والتي كان يحمل عليها الأمتعة والنساء والأطفال لذلك يمكن لنا من هذا الجانب حمل هذه الروايات على أنهم لم يقضوا عطاشى .
5 ــ المعروف أن الإبل تتحمل العطش أيام طويلة ليست بحاجة الماء ويمكنها أن تدر اللبن والحليب وذلك للتركيبة التي خلقها الله عليها وهذه الإبل هي التي سلبها الجيش بعد مقتل الحسين ونحروها فكانت لحومها مرة لم يستطيعوا أكلها .
6 ــ ليس غريباً على أهل البيت هذا أن يدعو الحسين ويسقى أصحابه الماء حينما خط بأصبعه الأرض فجرى نهر أبيض من اللبن وأحلى من العسل فشرب منه هو وأصحابه ،فيمكن لهذا الماء والذي هو من معاجز الحسين أن يبقى أثره عند الحسين والأصحاب مدة أطول لحين استشهادهم
7 ــ نعتقد نحن الشيعة أن الحسين ضحى بنفسه وماله وأهل بيته وأصحابه لأجل الدين والاصلاح كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإبطال تولية يزيد أمور المسلمين بغض النظر كونه وأصحابه استشهدوا ضامئين ممنوعين من الماء أو غير ذلك فهذه لا يقدم ولا يؤخر في نهضة الإمام الحسين شيئاٌ .