من قال ان جيل اليوم لا يقرأ فهو واهم ومشتبه ، فأكاد اجزم بأن ابناء اليوم يقرؤون وينهلون من وسائل المعرفة والوعي بمختلف انماطه اكثر بكثير ممن تغذوا معرفيا على وسيلة الكتاب التقليدية من الآباء والاجداد في الأجيال السابقة .
والسر يكمن في عملية تغيير وسائل القراءة والاطلاع وطرق الحصول على المعلومة وجلبها بسهولة تامة لم تكن متوفرة في الماضي القريب ، فبعد دخول عالم الانترنت والشبكات الالكترونية في نهاية القرن العشرين وانتشاره في اصقاع الأرض اهتزت العقول واستقبلت ثورة عارمة من المعلومات وتسونامي معرفي هائل اجتاح الجميع بشكل انسيابي ومحبب بأقل التكاليف المادية والزمكانية .
وهذا ما يتناسب طرديا مع رغبات جيل اليوم الصاعد ، جيل السرعة والاختصار وجيل المعلومة الخفيفة الجاهزة ، فأصبحت العقول تتشارك المعرفة والخبرات من كل مكان وبأي لغة وكأنك نعيش في قرية صغيرة تقابل فيها من تشاء وقت تشاء وتخاطبه وتسأله عن أي معلومة تريد بمجرد ضغطة زر حالمة تأتيك بكم هائل من الخبرات العلمية والعملية ما يوازي خبرات انسان في السبعين من العمر في اقل من ثانية ، ولهذا لا داعي لأن يعيش الانسان اكثر من سبعين سنة حتى يصبح حكيما او عالما او غنيا او سعيدا ، بل ان الخبرات ونماذج النجاح واستراتيجياتها أصبحت متوفرة للجميع فكل ما عليك هو تطبيقها بشكل عملي لتصل نحو القمة والسعادة .
اذن عزيزي الأب لا يجب ان تقلق على أبنائك بعد اليوم من ناحية القراءة والمعرفة وان لا تندب حظك المرير في هذا الزمن فأبنائك يشاهدون ويقرؤون ويتحصلون على المعلومات في اليوم الواحد ما يفوق اضعاف ما انت تقرأه في كتاب كلاسيكي لمدة شهر او شهرين !
فالدراسات العلمية اثبتت ان معظم شباب جيل اليوم ينتمي لفئة الأنماط البصرية أي الذي يتأثر ويستمتع غالبا بالمشاهدات الصورية ، لهذا نرى الهجوم وبشغف على الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية والتعليمية والمسرحية والوثائقية وعبر تطبيقات الأجهزة الذكية كبرامج التواصل الاجتماعي كالواتسأب مثالا والغنية بالفائدة ان استخدمت بالشكل الصحيح .
وهناك العديد من طرق العرض الحديثة المشوقة كاليوتيوب والتوتر وبرامج المونتاج وتحرير الفيديو والاستمتاع بأخذ الصور والتعديل عليها بالفوتوشوب مثالا بواسطة الحواسيب الثابتة او المتنقلة او الكفية الذكية التي سهلت تلك العمليات وربطتها مع بعض كإمبراطورية جوجل وتقنياتها وما ادراك ما جوجل .
اذن يجب ان نؤمن ونغير من قناعاتنا السالبة كالقول بأن - امة اقرأ لا تقرأ – فقد عادت تقرأ وبنهم كبير مع تعديل بسيط في المفهوم والوسيلة بما يتناسب وهذا العصر الرقمي بل واكثر إدراكا وقبولا للعقل والنفس البشرية عندما تحاكي المعلومة اغلب حواس الانسان من بصر وسمع ومشاعر في آن واحد تساعده وترغبه في المزيد من الاطلاع ، فقد وصلنا الى زم
ن تتكامل فيه العقول وتتشابه الأفكار رغم اختلاف أنواع البشر والوانهم واعمارهم واماكنهم ، فليس بالضرورة ان تحضر كتابا او قصة فيقرأها ابنك لتحببه القراءة او ليصبح مثقفا !

بل اهديه هذه المعلومات القيمة التي تريد ان يطلع عليها بوسيلة أخرى ذات فاعلية كبيرة ، تنمي قدراته وذكاءه كفيلم وثائقي او رسالة الكترونية او برودكاست مختصر إيجابي او تطبيقا ذكيا ينمي عنده حب العلم والاستكشاف والمعرفة .
فكن فطنا عزيزي الاب وبادر ابنك بما ينفعه واشغله بالمفيد النافع قبل ان ينشغل ويشغلك بالمتاعب والهراء ، فالابناء ان لم تشغلهم بالايجاب شغلوك بالسلب .
اما عن دليلنا على ما ذكرناه هو ما نحصده اليوم من تغذية راجعة ، بدأت ثمارها تجتاح بلداننا من تفوق علمي وابتكارات وبروز مواهب في مجالات عدة وصلت للعالمية ، عندما توفر لها القليل من الاحتضان والاهتمام ببيئة التعليم والعمل ، وايضا نضوج اساليب التربية والمعرفة لدى الاباء ممايمهد لقدوم جيل يحمل على عاتقه مسؤلية النهوض بهذه الامة والانسانية بشكل عام .
وهنا يجب ان لا نغفل أيضا عما يعتري بعض هذه التقنيات من سلبيات واردة ولا ننزهها لدرجة الكمال بل تجب المراقبة ومتابعة الأبناء بعد ان نزرع فيهم اساسيات فن التعامل معها واساليب الترشيد في الاستهلاك المرئي والسمعي والحسي .
وأخيرا أحببت ان اسلط الضوء هنا وبتركيز ايجابي وبنظرة متفائلة على هذه االوسائل الحديثة المؤثرة بعيدا عن القناعات المحبطة والمخاوف المترسخة بل يجب ان نسترخي بحذر لكي نشكر الله على هذه النعمة ونمتن له فـ سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين .
التعليقات 2
2 pings
ناصر الأحمد
2015-10-06 في 9:43 ص[3] رابط التعليق
هناك فرق بين القراءة التي تنتج عنها معرفة و بين القراءة السطحية السريعة
فالأولى تساهم في تكوين شخصية مدركة وفاعلة و قادرة على إتخاذ القرار وحل المشاكل بحكمة , حتى وإن كان اسلوب قراءة قديم ونمطي إلا أنه مطلوب لترسيخ المعرفة الفكرية والأكاديمية
القراءة السريعة مهارة رائعة تكسب الإنسان كم هائل من المعلومات في أوقات أقل , ولكن تزاحم المعلومات قد يشتتها لذلك لا بد من الدمج بين الأسلوبين
شكراً للكاتب
عبدالله حسين البراهيم
2015-10-06 في 10:07 ص[3] رابط التعليق
احسنت اضافة جميلة
اولا: نتكلم عن الابناء وهم في هذه المرحلة العمرية الغير متخصصة فيحتاجون الى المعلومات السريعة على وزن المأكولات السريعة والمنوعة والفيتامينات العامة والشاملة للصحة العقلية والعلمية.
وثانيا: بالنسبة الكبار يتم هنا الدمج بين الاسلوبين بحكم التخصص في المعرفة والعمل.. فعندما اقرأ معلومة سريعة تهمني في تخصصي او واقعي سأبحث عنها بشكل موسع ..
والعلوم اليوم تغيرت واختصرت وكمثال:
– القرآءة السريعة
– الخريطة الذهنية
– الانفوجرافيك
كلها علوم مستحدثة وتختصر عليك الوقت والجهد….
تختصر.عليك كتاب في ورقة واحدة عليك!!
ولكل شخص حرية خيار الاسلوب الذي يناسبة والذي تبرمج عليه فمنهم من يحب التغيير ومنهم على الثبات.