طويل وكأنه ستين يومًا، بخيل لا يرفل بالأموال، خامل لا يحفل بالأنشطة الجادة، ويكاد يدخل موسوعة "غينيس" لأكثر الشهور تعليقات ساخرة أو مضحكة.
كل الشهور متساوية في عدد الأيام والساعات، إلا أنها تختلف ظروفها باختلاف ثقافات الناس التي تعيش فيها.
لماذا يُتّهم شهر شوال بالطول؟
علميًا نجد هناك سببًا واحدًا يفسر هذا الاتهام، فقد قام باحثون برتغاليون بدراسة الأسس العصبية، الحيوية للتصور الشخصي عن سرعة مرور الزمن أو بطئه، ونشرت هذه الدراسة في مجلة ساينس العلمية.
يوجد لدى كل إنسان شعور داخلي بعدد الساعات والدقائق بل وحتى الثواني المنقضية، إلا أن هذا الشعور غير مستقر ويختلف من شخص إلى آخر، إذ أنه يعتمد على الحالة النفسية للإنسان. فعلى سبيل المثال ينقضي الوقت بسرعة بالنسبة للإنسان إذا ما كان منغمسًا في العمل، بينما يبدو الوقت أبطأ من مشي السلحفاة إذا كان الشخص يشعر بالملل أو الحزن.
ووجد جوزيف باتون وزملاؤه من مركز أبحاث "لشبونة" أن التصور الشخصي للوقت يعتمد على نشاط الخلايا العصبية التي تنتج الناقل العصبي – الدوبامين.
وتؤثر الخلايا العصبية المعروفة باسم المادة السوداء على عدة أنشطة مثل الزمن، والإدمان، والحركة،
وقد وجد العلماء أنه كلما زاد إنتاج الدوبامين في خلايا المادة السوداء تزايدت الإشارات التي يرسلها الدوبامين، ويؤدي ذلك إلى قلة الفواصل الزمنية بين إشارات الأعصاب، ما يفسر إحساسنا بمرور الوقت بسرعة. كما أن العكس صحيح، إذ إن انخفاض نشاط الخلايا العصبية يؤدي إلى إحساسنا بمرور الوقت ببطء.
ومما لا شك فيه أن نظرة البشر للزمن ليست محصلة عوامل بيولوجية فقط، بل ساهمت في تشكيلها أيضًا عوامل ثقافية وزمنية، فقبيلة "أمونداوا" في الأمازون على سبيل المثال، لا تعرف معنى الوقت، أي لا يدرك أفرادها الإطار الزمني الذي تقع فيه الأحداث، ولا تضم مفردات لغتهم كلمة "وقت".
وكان أرسطو ينظر للحاضر على أنه دائم التغير. وفي عام 160، وصف الفيلسوف والإمبراطور ماركوس أوريليوس الزمن بأنه نهر من الأحداث العابرة.
وفي القرن الماضي، قلبت اكتشافات ألبرت أينشتاين مفاهيمنا عن الوقت رأسًا على عقب، إذ برهن أينشتاين على أن الزمن هو محصلة لمؤثرات خارجية عديدة. وأثبت أن الزمن نسبي، فقد يتباطأ عندما تتحرك الأشياء بسرعة فائقة، وأن الأحداث لا تقع بالتسلسل، فلا يتفق اثنان على كلمة "الآن" بمقاييس قوانين نيوتن.
لذا، تهمة طول شهر شوال منتفية وغير صحيحة، وعن وصفيه بالبخل، فالمسلمون بالذات يقضون شهر شوال بعد صيام شهر رمضان، وقضاء عدة أيام من شهر شوال كأيام عيد تُقام فيه الاحتفالات، وهذا يتطلب الكثير من الأموال، مما يجتهد فيه الناس لقضاء أيام عيد مرفّهة ومليئة بالسعادة، ولا شيء يجعل ذلك محققًا كالأموال.
لذا تجد حالة من التقشف تصيب الشعب المسلم في هذا الشهر، وهو ينتظر حلول راتب الشهر الذي يليه، وهو شهر رجب، حيث لا احتفالات، ولا بداية مدارس فيه، ولا أي مناسبات وطنية أو إجازات رسمية.
وعن وصفه بالخمول، فهو كذلك، إذ يحل على الناس التعب والإرهاق بعد نشاط متواصل خلال شهر رمضان، الذي كان يرفل بأنشطته وبرامجه واحتفالاته، وما بعد الصخب إلا الهدوء، وقيل في الهدوء الزائد: (هو الأسوأ، أينما تحلّ غيمةٌ مثقلةٌ بالصمت، يمسي الزعيق الذي بداخلي مسموعًا أكثر، ويطفو إلى سطحي صوتًا صوتًا).
هي محاكمة بشرية لا أكثر ولا أقل، بل هي نسبية حتى في منظورها العام، فما يراه أحدهم حقيقة ترتبط بهذا الشهر، قد لا يراه البعض الآخر، مؤمنًا أنه شهر كبقية الشهور، عدد أيامه لا يتجاوز (30) وعدد ساعات يومه الواحد لا تتعدى (24) ساعة.
وكلها أيام الله، إذ يقول المولى الحق تعالى: "وتلك الأيام نداولها بين الناس" [سورة آل عمران: آية 140].
وتبقى الأحاديث عن شهر "شوال" فقط هي مزاحات وحكايا تتناقل بين أفراد الشعوب، ويتوارثها الأجيال عبر الأزمان.
أنت: كيف هي محاكمتك لهذا الشهر؟
التعليقات 1
1 pings
نجيب طاهر
2025-04-14 في 8:17 ص[3] رابط التعليق
شهر طويل بتفاصيله واحداثة . والزمن يمر ببطئ