يمر الإنسان بأوقات صعبة يفقد معها حالة الاتزان الفكري و الوجداني و يميل فيها إلى الخمول و الكسل ، فضلا عما يصيبه من استنزاف طاقته النفسية من خلال اجترار الآلام و محطات الإخفاق الماضية و إلقاء اللوم على نفسه للوقوع فيها ، و هذا التحسّر و الندم سلبي لا جدوى منه و يزيد الأمر استفحالا و وبالا ، و ذلك أنه لا يفكّر في الأخطاء و كيفية تجاوزها بقدر ما هو يداعب مشاعره و يجلد ذاته ، و يعيش في دوامة من التيه و الضياع و التعلّق بماض لا يمكن استرجاعه أو تغيير تفاصيله ، كما أنه يواصل تسلسل الخسارة و الاستنزاف بتضييع حاضره و فقدان ثقته بنفسه و بقدرته على الخروج من عنق الزجاجة و النهوض مجددا ، و هذه المرحلة من الفراغ يعاني فيها تدميرا لصحته النفسية و دواخله الوجدانية ، و يفقد معها الإحساس بكل جميل يمر به بعد أن تقطّعت خيوط الأمل بتجاوز تلك المرحلة الحساسة و الصعبة ، و ليس من السهل على الإنسان أن يفقد بوصلة حركيته و تفاعله و جهوده بالعمل الحثيث على تحقيق أهداف و آمال تمتطي مركبة الزمن و تنتقل به من يوم إلى يوم الآخر ، كيف و قد تلوّنت أيامه بلون الخريف و تساقط الأوراق و الذبول و الاتجاه نحو النهاية المؤلمة !!
و بلا شك أن الحياة الأسرية و العلاقات الاجتماعية تتأثّر بحالة الإحباط و الشعور بعدم وجود قيمة لحياته و وجوده ، حيث يشعر بميل إلى حياة العزلة و الابتعاد عن التواصل مع الآخرين و يفقد متعة الجلوس مع أحبابه و تبادل أطراف الحديث معهم ، و أما دوره الوظيفي و تحقيق طموحاته في الحياة فتذهب أدراج الرياح و يتلاشى معها الرغبة في القيام بأي نشاط أو إنجاز و لو كان بسيطا ، و هذا يعني تحطيما لكل ما هو جميل في حياته و تتدهور صحته النفسية مع مرور الأيام لشعوره بأنه أصبح عالة على الآخرين و لا وجود له في حياتهم و اهتماماتهم .
المحرّك الفعلي لخطوات الإنسان هو ذلك الدافع و المحفّز الذي ينخرط به في ساحة العمل و الميدان المعرفي ، بحثا عن مكان يناسب أهدافه و تطلعاته التي ترى النور يوما بعد يوم كبذرة ألقاها في الأرض و سقاها بجهوده و سعيه الحثيث ؛ لتُسرّ نفسه و هو يرى أهدافه كنبتة تترعرع و ينتظر إثمارها و نتائجها ، و الشعور بالفراغ و تقمّص دور الضحية للظروف القاهرة يبقيه خالي الوفاض و صفر اليدين ، فكل يوم جديد يمثل تحديا لقدراته و مجالا لتحقيق شيء من أهدافه التي لا تتوقف ما دام فيه عرق ينبض ، فالحياة آمال نستشعرها حقيقة - و ليس وهما أو أحلاما - تخامر عقولنا كأفكار ندرس أوجهها و نتعاطى تفاصيلها ، و من ثَمّ ننطلق في ميدان الحياة لتبصر النور و نتعامل معها بخرص و مهنية و جدية ، و مهما كانت الظروف و العراقيل التي نواجهها فهي ليست إلا محطات اختبار لجديتنا ، كما أنها تصنع منا نفوسا قوية قد تسلّحت بالنفس الطويل و التخطيط المدروس و المراقبة و المعالجة المستمرة لاكتشاف أوجه التقصير و الأخطاء .
اتخاذ القرارات المناسبة و المبنية على دراسة و تخطيط و نظر في النتائج تشكل معلما مهما من معالم الشخصية الناجحة ، و عندما يعيش الفرد عالم الفراغ و ضياع الأهداف و التململ فسيؤثر بشكل كبير على همته و قدرته في اتخاذ القرارات الحاسمة ، و سيواجه وضعا نفسيا صعبا يبقيه في حالة التردد و البقاء في وضع هامشي لا حراك فيه .