"مطرب الحي لا يُطرب " مثل شعبي متداول و يستخدمه الاغلب من الناس محليا و اقليميا عند التعليق على ان ابن العائلة او ابن الحي او ابن المنطقة او ابن المدينة او ابن ذات الدولة الفلانية لا يترس عيون ابناء جلدته . اصبحت شهادة الاجنبي ذو الشعر الاشقر و العيون الزرقاء هي الختم المُعتمد في ذهنية الاغلب من ابناء المجتمعات المهزومة كرامتها . لابل ان قبول كفاءة ابناء جلدتهم دائما بين الاخذ و الرد وقبول سواها من ذوي العيون الزرقاء هي الطاغية في الاعتماد و النقل و التصديق !!
نقص كرامة ام كسر خطوط
في اللقاءات الاجتماعية الكبيرة كالاعياد يمازح البعض البعض الاخر بسرد قصص قديمة جمعت تلكم الاطراف و تثير الذاكرة الاجتماعية و تعقد مقارنات مسهبة بين احوال الامس و اليوم . و تمتد بعض المقارنات لتلامس ماكان فلان بالامس و ما اصبح عليه اليوم مع اللمز و الغمز و ممكن التهكم او التندر . يسرد احدهم قصة و تتلوها قصه و يطول المقام عند البعض في الحديث عن البعض و تُعرج بعض تلكم القصص لتنبش في ماكان فلان عليه و ما اصبح الان في مستواه المالي او الاجتماعي او الاكاديمي . البعض من المجالس نجح اصحابها و روادها في تجنب اثارة الغبار المشوش لصفاء اللقاءات ؛ و البعض من اصحاب المجالس فشل في تجنب المقارنات السلبية . فقد تُهدر كرامة احد الحضور دون شعور من المُعلق او المتحدث . فينسل البعض و مع مرور الوقت تتقلص اعداد الحضور و مع تراكم السنين تنكمش و تقفل بعض المجالس . و السبب اهدار كرامة او اثارة تهكم تحت عنوان " ترى احنا نمزح !" .
تاثر و ما زال يتاثر البعض من ابناء جلدتنا بسبب النظرة الدونية من بعض ابناء محيطة لطبيعة عمل جده أو والده ما قبل عصر النفط ، حتى عندما تمكن هو من التفوق في تخصصه الطبي او العلمي او المهني و تفرده في مهنته و تبوءه في مناصب قيادية . لان عدد ليس بالقليل من ابناء محيطه او دولته لديهم عُقد مركبة : عقدة النقص ، عقدة الاجنبي المتفوق ، عقدة تبرير الفشل و تبرير الكسل ، الحقد و الحسد ضد المتميزون .
التربية و تجذير الكرامة
مفهوم الكـرامـة عند الاولاد و البنات يجب ان يوضع فـوق كـل اعـتـبـار و في قمة اولويات التربية منذ الصغر . شخصيا ارى انه يجب ادراج مفهوم حفظ الكرامة بذات اهمية الطعام و اكثر . و يجب تنبيه الاولاد منذ نعومة اضافرهم على ضرورة ادارة المواقف بدأ من تجمعات الاسرة و حتى ما بعد بلوغه و ذهابه للمدرسة و الجامعة و العمل و السوق و اختلاطه مع الناس في الافراح و الاتراح . من تلكم المحطات التربوية محطة اللقاءات الاسرية ايام العيد و الافراح و على سبيل المثال :
١ - في التجمعات العائلية السنوية كالاعياد و عند الذهاب الى لقاء الأصدقاء ، نذكر الابناء أن إحترامهم لانفسهم وثقتهم بأنفسِهِم و حسن انتقاء الفاظهم هي مسؤوليتهم الأولى و الاخيرة . و ان يتجنبوا الاقوال و الافعال السيئة. و الا يمكنوا اي شخص من استفزازهم او استدراجهم في امور هم لا يعلمون خواتيمها ؛ و يبادروا بالكلمة الطيبة و بشاشة الوجه عند لقاء الاخرين . و اذا حسوا بان هناك احتمالية التصادم او الاستفزاز فعليهم الاستعانة بوالديهم و التجنب الايجابي المبكر لنزع فتيل التصادم مع المستفزين لهم .
٢ - الاعراض عن مجاملة اي شخص على حساب كرامتهم . ولا يسمح الاولاد لأي شخص أن يسيء لهم بحجة المُزاح او المفاكهة او السؤال أو العتاب المفرط او التوبيخ المسترسل . و على الوالدين اذا كانوا متواجدين في المكان ان لا يضحكون عند وقوع اي تعليق ساخر استنقاصي او استخفاف باحد ابناءهم لان ذلك يعطي اشارة خاطئة لاسترسال المازح في اهراق المزيد من مخزون كرامة الابناء .
٣ - كاب و ام ، إذا وصِفَ احدهم ابنك بصفات غير محببة أمامك، فلا توافق بالقول للواصف و لكن استفسر عن سبب ادعاءه على ابنك ؛ و كاب مربي لك كل الحق في معالجة الموضوع ان صدر من ابنك شيء ما سيء فهمه و في ذات الوقت دافع عن ابناءك بحب وحكمة و عقل موضوعي مع كامل الحفظ للاعتبارات و الكرامات لكل الاطراف .
٤ - كوالد او والدة ، لا تسمح/ي لأحد أن يجبرك على توبيخ أو معاقبة ابنك أمام الآخرين تحت اي ظرف . لا سيما ان كان الطفل صغير جاهلا و لا يفقه دلالات قوله او فعله .
٥ - كاب او ام ، تجنب/ي التبرم و التذمر أو النقد السلبي الصارخ او التوبيخ الموجّه لأبنائكم أمام الملأ . فهذا يهرق كرامتهم امام الاخرين . و عندما يكبر ابناءك يكونوا معدمي الحضوة و قليل من يعطيهم وزنا .
٦ - من المفترض ان يكون الوالدان ترجمان صادق لحفظ الكرامة يكل تجلياتها ( كرامة نفسية ، كرامة مالية ، كرامة سلوكية ، كرامة تربوية ، كرامة غذائية ، كرامة عاطفية …الخ) . فلا يحق لاي اب ان يهدر ماء كرامته بتقبيل ايدي احد الوجهاء او التجار أستعطافا لهم و طلبا للكرامة المالية . و لا يحق لاي ام ان تستجدي في التعابير للاخرين استدرارا للكرامة العاطفية .
ختاما،
غرس و زراعة و صيانة شجرة الكرامة في داخل افراد الاسرة تحتاج لاب و ام و حاضنة اجتماعية تعي معان و تطبيقات و عناوين الكرامة . و تربويا ان أخطأ الابناء فمن التربية السليمة المبادرة في توجيههم على انفراد بعيدًا عن أعين الاخرين و الحرص كل الحرص في توظيف كل محطة و لقاء على وجبة و سفرة و تنزه و تسوق لتحرير رسائل هادفة للاطفال تعزز لديهم الثقة و الكرامة و الوفاء و الولاء . و حتما باذن الله مع مرور الوقت و حسن رعاية شجرة الكرامة ستقوى شوكة الاعتزاز بالذات للابناء و عضلة الكرامة الانسانية و منسوب الثقة بالنفس. فالكرامة تبدأ من سن الرضاعة .