سورة الفجر مكية، وعدد آياتها ثلاثون، وقد سُمِّيَت باسمها نسبةً إلى أول آية فيها. والفجر هو الوقت الذي يسبق شروق الشمس، وهو كغيره من الأوقات التي أقسم الله بها في كتابه الكريم، دليل على عظمته وأهميته.
الفجر يعني شقَّ منفذٍ أو طريق، والمقصود به أن ضوء الصباح يشقُّ الظلام، وهو وقت مقدس ذو قيمة عظيمة، ففيه تنشط الأحياء وتستيقظ لتبدأ يومًا جديدًا.
إن القسم بالفجر في القرآن الكريم يدل على عظمته، ففيه من الخصائص الكثير مما قد لا نستوعبه أو لا ندرك أثره، فهو لحظة انتقال بين العتمة والضياء، وبين الاسترخاء والنشاط، وبين النوم واليقظة. إنه الوقت الذي تبدأ فيه الحياة بالتحرك رويدًا رويدًا، حيث يستيقظ كل كائن على مهل، وفيه من السكون ما ترتاح له القلوب، ومن الهدوء ما تعشقه الأرواح.
وقد فرض الله تعالى في هذه الساعات صلاة يتعبد بها المؤمنون، حيث السكينة والطمأنينة، وفيها يمتحن الإنسان بين الركون إلى الراحة أو النهوض إلى النشاط، ليبدأ يومه بحمد الله وشكره على ما أنعم عليه من يومه وأمسه.
أما المقصود بـ (وليالٍ عشر)، فقد فسّرها العلماء بأنها العشر الأواخر من شهر رمضان، التي تحوي ليلة القدر، أو أنها العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، التي تشمل يوم عرفة ويوم عيد الأضحى.
وفي كلا التفسيرين، عِبرة ولذة للمؤمن، سواء كان في شهر رمضان صائمًا متعبدًا، مترقبًا ليلةً لا تضاهيها ليلة في الأجر والثواب، ألا وهي ليلة القدر، التي قال عنها الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، في جوابه لسليمان المرزوي عن قوله تعالى:
"إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" (سورة القدر: 1)
قال: "يا سليمان؛ ليلة القدر يقدّر الله عز وجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة، من حياة أو موت، أو خير أو شرّ، أو رزق، فما قدّره في تلك الليلة فهو من المحتوم".
أو قد يكون المقصود بها يوم الحج الأكبر – عرفة، ذلك اليوم العظيم الذي قال عنه النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
"إن ليلة عرفة يُستجاب فيها الدعاء، وللعامل فيها بطاعة الله أجر سبعين ومائة سنة، وهي ليلة المناجاة، وفيها يتوب الله على من تاب".
وفي كلا الوقتين، ينتظر المؤمن فرحةً مرجوةً في ختامها، سواء كانت عيد الفطر بعد رمضان، أو عيد الأضحى بعد الحج.
ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي:
"أهل طاعتي في ضيافتي، وأهل شكري في زيادتي، وأهل ذكري في نعمتي، وأهل معصيتي لا أُيئسهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن دعوا فأنا مجيبهم، وإن مرضوا فأنا طبيبهم، أداويهم بالمحن والمصائب لأطهّرهم من الذنوب والمعايب".
ونحن الآن في ضيافة العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وقد مضى معظمها ولم يتبقَّ منها إلا القليل القليل، وفيها صرنا إلى الله بأعمالنا وعباداتنا، وبين الرجاء والخوف، نترقب عناية الرحمن ورحمته التي وسعت كل شيء.