القرآن الكريم هو كتاب الهداية والإرشاد الذي لا يخلو من دعوات واضحة لنا للتمعن والتفكر في حياتنا وأفعالنا. في العديد من آياته، يدعونا الله تعالى إلى الاعتبار بما يحدث حولنا، والاستفادة من تجارب الآخرين التي سبقونا في الحياة. الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم:
"فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" (الحشر: 2).
هنا، يُخاطب الله تعالى أولي الأبصار، الذين يملكون عقولًا واعية وأبصارًا مدركة، ويحثهم على النظر في الأحداث التي مرت بها الأمم السابقة، وأن يتعلموا من تلك التجارب.
الاعتبار في حياتنا اليومية
الاعتبار في القرآن لا يتعلق فقط بالقصص التاريخية، بل هو دعوة لنا للتفكر في الأحداث اليومية التي نعيشها. نجد على سبيل المثال، أن كثيرًا من الناس يشهدون ويعرفون أضرار التدخين والمخدرات على صحة الإنسان، ومع ذلك يستمرون في ممارستها رغم أنهم يرون معاناة الآخرين. لماذا لا نتعظ بما نسمع ونرى؟ ما الذي يمنعنا من الوقوف لحظة والتفكير قبل أن نقدم على ما يضرنا؟
ممارسة التفحيط التي تؤدي إلى إعاقات وفقدان للأرواح، هي مثال آخر على عدم الاعتبار. نجد الكثير من الشباب، على الرغم من رؤيتهم لما يسببه التفحيط من حوادث مدمرة، إلا أنهم لا يتوقفون عن هذه العادة الخطيرة.
أهمية الاعتبار في شهر رمضان
رمضان هو شهر التأمل والاعتبار، فهو شهر العبادة والتقوى. وفي هذا الشهر المبارك، تفتح أبواب السماء وتزداد فرص التوبة. في ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، يعظم أجر العمل الصالح، وتزداد الفرص للاعتبار والتغيير. في هذه الأيام المباركة، يمتلئ المسجد بالمصلين، وتتضاعف الحسنات. لكن مع مرور الوقت، يعود البعض إلى ما كانوا عليه قبل رمضان. فتُضيّع الفرصة دون استفادة حقيقية.
الشباب والمخاطر التي تحيط بهم
في مرحلة الشباب، يبدأ الإنسان بالتعرض للعديد من المؤثرات السلبية مثل المخدرات، رغم أن أضرارها واضحة للجميع. يقرأ الكثير من الشباب عن معاناة المدمنين ويرونهم يعانون من آثار الإدمان، ومع ذلك، في لحظة ضعف أو رغبة، ينحرفون ويبدأون في السير في طريق الإدمان.
هذه التصرفات تعكس غفلة الإنسان وتجاهله للآيات القرآنية التي تحثه على الاعتبار. وفي الوقت نفسه، نجد أن الفئة التي تعصي الله رغم معرفتها بالعواقب، تقبل على معصية الله دون أن تتخذ العبرة مما حولها.
التوجيهات من أهل البيت (ع)
وقد أكد أهل البيت (ع) على أهمية الاعتبار والتعلم من تجارب الآخرين. فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قوله:
"السعيد من وعظ بغيره."
هذه المقولة تدعونا إلى أن نكون أكثر وعيًا بأنفسنا، وأن نتعلم من أخطاء غيرنا قبل أن نقع فيها. فكل واحد منا يمكن أن يكون درسًا وعبرة للآخرين، ولذا يجب أن نحرص على أن نكون من الذين يتعلمون من تجارب الحياة، ولا نقع في نفس الأخطاء مرارًا وتكرارًا.
الخاتمة
إن القرآن الكريم في دعوته المستمرة لنا للاعتبار، لا يشير فقط إلى عبور الأحداث، بل إلى الوقوف عندها وتفكرها بشكل عميق. دعونا نأخذ عبرة من تجارب الآخرين ونعمل على تحسين أنفسنا وأفعالنا. وفي شهر رمضان، لعلنا نجد الفرصة الأكبر للتغيير والتوبة، فنستغل هذه الأيام المباركة في العودة إلى الله، والاعتبار من تجاربنا الشخصية وتجارب الآخرين. لعلنا نكون من الذين يدركون قيمة العبادة والاعتبار في حياتهم.