في أوقات هبوب العواصف الاقتصادية العنيفة، من هبوطٍ في صرف العملات أو تدهورٍ في مؤشرات الأسهم أو هروب رؤوس الأموال إلى الخارج أو الكساد الشديد، تنطلق حملات ترويجية تحت عناوين مختلفة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- استثمر في الذهب… فهو ملاذك الآمن.
- عقارك أصولك… ملاذك الآمن.
- الدولار… محط الاهتمام وملاذ آمن.
- سويسرا الساحرة… مال وأعمال وملاذ آمن.
والواقع أن الدول الأوروبية والأمريكية استثمرت واستغلت غريزة الخوف لدى أبناء العالم الثالث لجذبهم وجذب رؤوس أموالهم بشكل ملفت، حتى أضحى اللجوء إليهم – ولو عبر ما يُعرف بـ يانصيب الهجرة – صناعةً تدرّ المليارات سنويًا لصالحهم.
من هو الملاذ الحقيقي؟
في الأوقات العصيبة، يلوذ الناس إلى الأركان الشديدة وأصحاب الصفات الحميدة، والأيادي البيضاء، والقلوب الصافية، واللسان العفيف. وعند ذلك، تسقط أوراق التوت عن أجساد أصحاب الميديا والإعلام الزائف والألقاب الجوفاء. ولربما كنتَ أنتَ نفسك قد مررت بتجارب مع أصحاب اللسان المعسول والقلب الحقود.
في أوقات الحروب والنكبات، يلوذ الناس بالأماكن والأشخاص الأكثر تحصينًا وقوةً، والأكثر حكمةً، والأنظف يدًا، والأطهر نسبًا، والأرجح عقلًا. وعليه، من الحنكة تشخيص هؤلاء قبل وقوع الواقعة وأزوف الآزفة.
وهكذا هي الأمور تدور دواليك...
العالم الحديث: انجراف لا يتوقف!
في عصر الإنترنت وثورة الاتصالات، ومع تسارع الأحداث وجسامتها، أصبح البعض – وربما الأغلب – من سكان المعمورة في حيص بيص في بعض أمورهم أو كلها، سواء في:
- التربية والاستقرار
- الأمان الوظيفي
- التعليم والصحة
- ضبط الإنفاق وتكاليف الحياة
- الهوية والتطرف والغزو الثقافي
- العولمة والإفراط في الاستهلاك
وهنا يحتاج الإنسان الراشد إلى إعادة قراءة المشهد بالكامل، وتمحيص الأشياء، وتسميتها بمسمياتها، وإعادة صقل الذات وانتخاب الهوية التي يستمد منها روحه المعنوية والأخلاقية والسلوكية، وإلا فإن حجم الانجراف سيكتسح الأغلبية.
ما هو الملاذ الحقيقي للنفس؟
في الثقافة الدينية الإسلامية، نسمع ونردد جملًا كثيرة مستنطقة من مناجاة المعتصمين:
"اللهم يا ملاذ اللاجئين... المناجاة."
وكذلك في بعض الأدعية:
"اللهم يا ملاذ المضطرين، وملجأ البائسين، وغياث المظلومين، أدعوك يا ربي لكشف الضر الذي حل بي وإصلاح أمري."
وفي دعاء آخر:
"إلهي، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك."
أحداث رمضان التاريخية ملهمة... وملاذ زمني آمن!
يبدو أن إعلان ولوج شهر رمضان من كل عام يشبه إعلان تجديد الولاء للانتماء الديني والروحي والأخلاقي والعقدي، وصناعة إعادة الهوية، وقراءة التاريخ بعين منصفة.
فالاستلهام من ثمرات أشجار الإيمان التاريخية وتضحيات أهل صدر الإسلام يجذر مفهوم الملاذات الزمنية الآمنة.
ملامح "الملاذ الزمني الآمن" في رمضان:
الأسبوع الأول:
- زيارة الأهل والأحباب لتجديد صلة الأرحام.
- انعقاد موائد رمضان الجماعية.
- نشاط ختمات القرآن الكريم الجماعية.
- الابتعاد عن صخب الإنترنت والسوشيال ميديا.
الأسبوع الثاني:
- إحياء ذكرى أحداث إيمانية، مثل عام الحزن، حيث فقد النبي ﷺ أقرب الناس إليه:
- حامي النبي ﷺ، أبو طالب (ع)
- السيدة خديجة بنت خويلد (ع)
- الاحتفال بذكرى ميلاد الإمام الحسن بن علي (ع)، سبط النبي الأول.
الأسبوع الثالث:
- إحياء ذكرى معركة بدر الكبرى، التي شكلت أول وأهم انتصار للإسلام.
- ذكرى استبسال الإمام علي (ع) في بدر العظمى.
- ذكرى استشهاد الإمام علي (ع) بعد ضربة الغدر في مسجد الكوفة.
- أول ليالي القدر، التي ذكرها القرآن الكريم بعظمتها.
الأسبوع الرابع والأخير:
- ليالي القدر المحتملة الأخرى.
- مشاركة المال مع الفقراء عبر إخراج زكاة الفطر.
- الاحتفال بفرحة العيد، وبهجة النجاح في تجديد الولاء لله ورسوله وأهل بيته الطاهرين.
- كنس رواسب الجاهلية، والنفور من الأخلاق المتدنية.
رمضان… الملاذ الآمن الحقيقي!
نعم، هناك ترويج دعائي ضخم في شهر رمضان لكل شيء تقريبًا:
البضائع والسلع الاستهلاكية
المحلات والمطاعم والفنادق
شركات الطيران والسياحة
الماركات الفاخرة للسيارات
معارض الأزياء والعطور
المطورون العقاريون والصناديق الاستثمارية
لكن الشيء الأكيد والمتيقن هو أن هبات الله وعروضه في رمضان هي الأصدق والأكمل والأتم والأفضل، ولا ينبغي تفويتها.فرمضان و اعمالك الصالحة في شهر رمضان هي ملاذك الآمن … ملاذك الفاخ