لقد شهدت محافظة القطيف ومناطق الأحساء والدمام وجموع غفيرة من البحرين، وداعًا مؤثرًا وعزيزًا لعلم من أعلام الدين والشريعة في المنطقة، سماحة العلامة الشيخ عبد المحسن النمر، الذي رحل عن عالمنا بعد سنواتٍ طويلةٍ من العطاء العلمي والإيماني. كان تشييعه إلى مقبرة الجش، جنوب محافظة القطيف، بمثابة حدث تاريخي عزّز مكانته الكبيرة في قلوب الناس، التي كانت تعتز بعلمه وورعه وتواضعه.
*سماحة الشيخ عبد المحسن النمر:*
كان الشيخ عبد المحسن النمر أحد أبرز العلماء الذين حملوا شعلة العلم والتقوى، وكان من العلماء الذين ربطوا بين العلم والعمل في حياتهم اليومية. تميز سماحته بالخلق العالي، والتواضع الشديد، وحسن المعاملة مع الجميع، حيث كان محبوبًا بين طلبته ومجتمعه على حد سواء. سعى دومًا إلى نشر العلم وتوجيه الناس إلى الطريق الصحيح، متبنيًا منهجًا معتدلًا في الدعوة إلى الله، بعيدًا عن التطرف والغلو.
كانت حياة الشيخ عبد المحسن النمر مليئة بالدروس الروحية والعلمية، فكان حريصًا على أن يكون قدوة للآخرين في كل مجالات الحياة. لم يكن علمه مقصورًا على أروقة الجامعات والمعاهد العلمية، بل كان متاحًا للجميع، وبخاصة في مجال تهذيب النفس، والارتقاء بالروح، وهو ما جعل له تأثيرًا كبيرًا في مجتمعه.
*المؤمنون لا يخشون الموت:*
من الدروس التي كان الشيخ عبد المحسن النمر يعكف على نقلها إلى طلابه وأتباعه هي حقيقة الموت وضرورة الإيمان به كجزء لا يتجزأ من الحياة. بالنسبة للشيخ النمر، كان الموت ليس نهاية بل بداية لمرحلة أخرى أبدية. وكان يعتقد أن المؤمن الذي يسير في طريق الله ويسعى لإرضائه لا يخشى الموت، بل يقبله برضا ويسلّم لأمر الله. فقد كان من أنصار الفهم العميق لما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمن يموت شهيدًا وإن مات على فراشه"، بمعنى أن المؤمن الذي يعيش حياته في طاعة الله وحسن الخلق لا يخشى الموت.
*مكانة سماحته بين الناس:*
إن المآتم والطقوس التي جرت في وداع سماحة الشيخ عبد المحسن النمر لم تكن مجرد مراسم عادية، بل كانت شاهدًا على تقدير الناس لهذا العالم الجليل. جاء الآلاف من مختلف المدن والمناطق لمواساة عائلة الشيخ النمر، والتعبير عن حزنهم لرحيل هذا العالم الذي كان مرجعية دينية وروحية للكثيرين.
لقد كانت مكانة الشيخ عبد المحسن النمر عظيمة في قلوب جميع من عرفوه، فقد تميز بشخصيته الهادئة المتواضعة، وكان علمه غزيرًا لكنه غير متكبر، ساعيًا إلى بثّ المحبة بين الناس، لا التفريق ولا الإقصاء. كان نموذجا يُحتذى به في التواضع، والخلق الكريم، والانفتاح على الجميع.
*الخاتمة: كان رحيل سماحة العلامة الشيخ عبد المحسن النمر خسارة عظيمة للمجتمع، لكننا نعلم أن مثل هذا الرجل، الذي خدم الدين والأمة بكل ما يملك، سيظل حياً في قلوبنا وفي علمه الذي تركه وراءه. إن الموت لا يحق لأحد أن يخشاه، فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: *"وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا"* (آل عمران: 145).
وفي الختام، نسأل الله أن يرحم سماحة العلامة الشيخ عبد المحسن النمر، ويسكنه فسيح جناته، وأن يجعله من أهل الجنة، وأن يجعل علمه وشهادته في ميزان حسناته.