هل الإنسان هو عبارة عن هيكل مادي متكون من عروق وأعصاب وعظام وغيرها من المكونات المادية،أم هناك وراء هذا المظهر المادي جوهراً آخر يكون حقيقة الإنسان، والإنسان يكون به إنساناً؟
وبعبارة أخرى :هل هو جسم آلي مركب من أدوات مادية مختلفة تتفاعل أجزاؤها بعضها ببعض،
أو أن وراء هذا الجسم الآلي حقيقة قدسية هي واقع الإنسان وهي المدبرة لما تراه في الحقيقة هو إنسان بالفعل،
فالعلماء في هذا المجال عبروا برأيين:
الأول:
بأن الإنسان جسم آلي مركب من عروق وأعصاب ولحم وعظم، وليس وراء هذا الجسم المادي أي وجود آخر بأسم الروح والنفس،وأن الإنسان يفنى بموته، وبه تنتهي شخصيته،
الثاني: أن واقع الإنسان الذي به يعد إنساناً هو نفسه وروحه، وليس جسمه إلا أداة بيد روحه وجهازاً يعمل به في هذا العالم المادي،وهذا لا يعني أنه مركب من حسم وروح،بل إن الواقع فوق ذلك،
فالإنسان هو الروح،
ومن حسن الحظ أنه من قال هو من المكونات المادية وينادي بأنه ليس وراء المادة شيئ آخر أثبتت البحوث العلمية بطلان هذه النظرية،
فقام
الروحيون بنشر وسائل عديدة وكتب كثيرة تشتمل على تجاربهم ونظرياتهم وأدلتهم في هذا المضمار، وبذلك دمروا ما بني من تفكيرات ونظريات مادية بمعاولهم العلمية،
وسوف نستعرض الأدلة لإثبات الروح من خلال القرآن الكريم:
يذكر القرآن الكريم آيات عديدة تثبت وجود الروح في الإنسان وعن إدراكها وخلودها بعد الموت،
ومن هذه الآيات: قوله تعالى في خطابه للملائكة حول خلق الإنسان الأول:(فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)
ففي الآية دلالة واضحة على تسوية الإنسان من مادة ترابية،
تعقبها نفخة روحية يتميز بها الإنسان عن بقية الكائنات،
ويكون بها محلاً لكرامة الله تعالى وأهلاً لسجود الملائكة له،وإلا فإن البدن الترابي وحده لا يستحق هذا السجود،
والدلالة الثانية من القرآن الكريم: قوله تعالى في بيان خلق الإنسان:(ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طين* ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين* ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم نشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين)
ومن الواضح أن هذا الخلق يختلف عن التركيب المادي للجسم،
وإلا قال:( ثم جعلناه يولد في الدنيا)كما قال في آيات:( ثم نخرجكم طفلاً)وأيضاً لم يقل:(خلقنا
النطفة خلقاً
آخر)وإنما قال بعد بيان المراحل المختلفة
(ثم أنشأناه خلقاً آخر)
وليس هذا الخلق الآخر إلا حقيقة ثانية تختلف عن الخلق المادي،
عن الإمام علي( ع):(فإذا نشأ فيه خلق آخر وهو الروح فهو حينئذٍ نفس)
ومنها قوله تعالى:( فلو لاإذا بلغت الحلقوم* وأنتم حينئذٍ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لاتبصرون* فلولا إن كنتم غير مدينين) إذن حقيقة الإنسان وأصل الإنسان هو تراب الذي يمشي عليه،والذي لا يساوي في نظره شيئاً، ومذكوراً في القرآن،أما بداية خلقه فمن نطفة،لو نظر إليها الإنسان لتقزز منها،
(قتل الإنسان ما أكفره *من أي شيئ خلقه * من نطفة خلقه فقدره *ثم السبيل يسره)
إذن في هذه الآيات دلالة على حصول الموت الذي لا مرد له من المحتضر ومن أهله المقربين،
وعلى حدوثه عند خروج الروح من الجسد إذا بلغت الحلقوم،ولو كانت حقيقة الإنسان هي جسده المادي،فلا معنى للبلوغ ولا للنزوع والخروج،
يستدل بهذه الآية على الروح من جهتين:
الاولى:( كل نفسٍ ذائقة الموت)
ومعناها أن النفوس
( الأرواح)
تشعر بمرارة موت البدن،وهذا يعني أنها لا تموت بموت البدن،وإلا لما شعرت وذاقت الموت،
وفي الآية الثانية:( اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلقك آية)
وتتضح الدلالة إذا أمعنا أنه سبحانه وتعالى يخص النجاة ببدن فرعون،
ويقول:( ببدنك)
وهذا يعني أن هناك شيئاً آخر لاتشمله النجاة، ويقع مورد العذاب بعد الموت،