خلق الله البشر مختلفين في ألوانهم وأشكالهم وميولهم وقدراتهم وحبهم وكرههم، ورغم هذا الاختلاف لا يوجد إنسان على هذه البسيطة يستطيع العيش بمفرده، كل فرد بحاجة لمساعدة الآخرين لتوفير حوائجه الأساسية للعيش، الحياة الاجتماعية ضرورة وفطرة فطر الله البشر عليها لإكمال مسيرة الحياة وهذا واقع ينطبق على الإنسان في كل مكان وزمان، كما ينطبق على المجتمعات في كل مكان وزمان أيضا، وقد أسست المجتمعات هذا الواقع وتعايشته في جميع عصورها وأزمنتها بمختلف ثقافاتهم وحضارتهم وبيئاتهم.
حبك للآخرين وإظهار اهتمامك بهم ومقابلتهم بابتسامة ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم قد لا يشفع لك عند بعضهم مهما ارتقيت إلى مراتب الصدق والبراءة والنقاء، ومهما عاملتهم باحترام وأخلاق حميدة، حتى وإن عاهدتهم في البيت الحرام وتعلقت بأستار الكعبة وأقسمت برب الكعبة، سيظل بعضهم يكرهك ويحسدك ويتجاهلك، ربما لأسباب معروفة أو مجهولة وقد تكون وجيهة وقد لا تكون، وهذا مثال صارخ للحقد والغل والبغضاء التي عشعشت في النفوس المريضة وأفرزت سمومها وأفكارها السوداء، حتى وصلت بهم الحال إلى درجة نكران العيش للآخرين ورغبة شريرة في موتهم وإخفائهم من الوجود ولو بالنية، شهدت بذلك براكين الغضب المكبوتة خلف ابتساماتهم الصفراء الصبيانية السقيمة ولو غلفوها بعناوين دينية وأخلاقية، وباتوا يتحينون الفرصة لصب جام غلهم وحقدهم وظلمهم عبر عقد وآليات انتقام دنيئة قذرة تربوا عليها فأصبحت مصدر سعادتهم.
مشاعر الحقد والكراهية والانتقام والتشفي ومرادفاتها مرفوضة بجميع القيم والمعاير الإسلامية والإنسانية، وعلينا أن ندرك أنها سم قاتل يجب رش بذوره بالحب الذي ملأ قلوبنا، والارتقاء بأنفسنا والترفع عن سفاسف الأمور ومعاملتهم بأخلاقنا وإن أساءوا لنا. فالرد بالإحسان والمعروف من شيم أصحاب النفوس العظيمة والهمم العالية التي تأبى التفريط في مبادئ وقيم تربت عليها ولن ننتظر منهم الشكر والثناء، بل نطلب بذلك الصفح رضا الخالق، فرضا الناس غاية لا تدرك ورضا الرب غاية لا تترك.