كيف يمكن للإنسان اكتشاف حقيقة شخصيته وما يمتلكه من قدرات وإمكانيات تحدد مستواه ومكانته في مواجهة التحديات وصعوبات الحياة؟
المواقف العملية محطات اختبار ومعرّف بواقع الإنسان، وطبيعة تعامله مع أهدافه في الحياة وكيفية مواجهة العراقيل والأخطار ينبئ عن طريقة تفكيره وتحليه بالعقلانية، فكثير من المُدّعيات والصور التي يرسمها البعض لنفسه في تفكيره ويتفوّه بها لمن حوله لا تتوافق مع واقع سلوكياته وتصرفاته، ففي حين أنه يدّعي الحكمة وضبط النفس مثلا تجده يتحوّل إلى مدفع يقذف بحممه تجاه من يتحاور معه، وكذا في بقية المؤهلات والقدرات والصفات لا يمكن وضعها في إطار التقييم الصحيح إلا من خلال محطات اختبار عملية.
أين تكمن خطورة متابعة الأهواء والاستجابة العمياء لها على مستوى علاقاتنا ومحاوراتنا وتصرفاتنا، بما ينعكس على صورة الخسارة الفادحة والإصابة بمقتل في طريق تحقيق ذواتنا في الحياة ومجابهة الصعوبات فيها؟
لابد من التعريج على المكرمة الإلهية للإنسان بتتويجه بتاج العقل و المعرفة ، و الذي ينتج عنه اتصاف الفرد بالاتزان الفكري و السلوكي و النفسي ، فيزن خطاه و تصرفاته بمعيار الهدفية و النتائج المترتبة و عواقب الأمر و تجنب مواطن الزلل ، و هنا الفارق بين البشر في توظيف القدرات الفكرية و القدرة على ضبط النفس من عدمها ، ففي لحظات الانفعال و الغضب الشديد الناجم عن استفزاز أو إساءة أو طلب تحقيق الانتصار الوهمي على المستوى الأسري أو الاجتماعي ، يندفع المرء و بشدة نحو التصرفات الطائشة و المتسرعة و التي يندم على ارتكابها بعد ذلك ندما شديدا ، فالرغبات تحركها الأهواء و الميول النفسية و ما لم تكن هناك غربلة لها عن طريق الفطنة و الرشد العقلي - و الذي يبصّر صاحبه بعواقبها و مردوداتها - فإنه سيتحرّك حركة التيه و الضياع ، فكم من خطوة أو تصرف أو علاقة نبذها المرء بسبب أن عقله الواعي عارض حينئذ هواه النفسي و رأى فيها مكمن خطورة و خسارة .
الانقياد بزمام العقل الواعي أو الميول والأهواء النفسية يفرّق بينهما في الاختيار قوة الإرادة والتصرف العملي، فهناك من يملك صورة واضحة للصواب أو الطريق الحق، ولكن الضعف الذي يعاني منه هو الترتيب العملي يخالف ويعاكس تماما ما يعيه ويتفهمه، ولذا فإن تقوية العزيمة والصبر على المتاعب والآلام سيأتي بنتائج ناجحة.
حقيقة الدنيا الفانية و تعقّل وجودنا المؤقت فيها يُعدّ علاجا نافعا في مواجهة الأهواء النفسية ، فإن بعض النزوات و الشهوات التي تملأ النفس بالوهم و السراب ، مردها إلى العمل على أرض الواقع و كأن الإنسان سيخلد و لن يغادر دنياه يوما بلا سابق إنذار ، و إلا فإن استحضار حقيقة الرحيل سيغير مجرى حياة الإنسان نحو العقلانية و الهدفية و تجنب موارد الخداع النفسي ، فمثلا حب المال بنحو يعمي النفس عن كل خير و يصيب المرء بالبخل و الجشع ، و حب الرئاسة و صدر المجالس مرده إلى طلب الوجاهة الاجتماعية الوهمية ، فالحقيقة أن الوجود يثبته العقل الثري بالمعارف و التحلي بالأخلاق الرفيعة و السعي في صنع المعروف ، و تسيير المركب الإنساني على ساحل الأمان و الصواب ليست بالمسألة البسيطة بالتأكيد ، و لكنها منهجية و تربية و مسار يعمل وفقه الإنسان الطالب لتجنب مزالق الأهواء المتفلّتة.