
مغطاة بقطعة قماش ومربوطة بكيس من أكياس البقالات، ومحفوظة في الرف الأعلى من أرفف المخزن داخل مطبخ “أم عبد الله”، التي فضلت بأن لا نذكر إلا كنيتها فقط، وقد أجريت معها هذا اللقاء القصير.
س: منذ متى وهذه العصارة محفوظة بهذه الطريقة؟
أم عبد الله: ليس بالوقت البعيد، ففي كل عام في نهاية شهر يوليو أو بداية شهر مايو، أنزلها من ذلك الرف، وأحضر لها مكاناً على الأرض يليق بها، إذ تتوسط السلال الكبيرة المليئة بالليمون الأخضر المقطوف من أشجار الليمون من مزارعنا، وقد أتيتم بالضبط قبل أن أقوم بهذه الطقوس السنوية بأيام قريبة، فلقد أفرغت نفسي ليوم الغد وما بعده من أيام الأسبوع، ودعوت جاراتي وبعضا من قريباتي، ليساعدوني على ممارسة هذه العادة السنوية، وهي أن نعصر الليمون، ونوزعه في زجاجات كبيرة.
س: هل كل من دعوتِ يستخدم هذه العصارة فقط أم لديك عصارة أخرى؟
أم عبد الله: لا عصارتي هذه الحبيبة الوفية هي لي والليمون خاصتي، جاراتي تأتي كل منهن بعصارتها، أو تعصر معنا بيدها.
س: وما السر في تلك العصارة؟
أم عبد الله: ما من سر يذكر سوى أنها وفية، في كل عام تعصر لنا كميات كبيرة من الليمون، وأنا أعتز بها كثيرا، وأراعيها وأحفظها بطريقة -كما رأيتها- من الغبار أو التعرض للخدش أو الصدأ.
س: وهل هذه الطقوس مهمة إلى هذه الدرجة لديكم؟ إنها طريقة مجهدة ومتعبة، ويوجد عصير الليمون الذي يعصر في المصانع جاهزاً وبأسعار جيدة في متناول اليد؟
أم عبد الله: نعم هو ذلك، ولكنك لا تدركين المتعة والألفة والسكون الذي يحيط بنا ونحن نجتمع لعصر الليمون، فمع صوت العصارة وهي تعمل، يتخللها حديثنا عن الناس وعن بقية الأهل والجيران وما يحدث في المجتمع من أحداث، وما يدور في العالم من مواقف وفعاليات، أعرف من من جاراتي مريضة أيهما لديها ظرف ما، أو مناسبة، فأسأل عن تلك وتلك، وأقوم بواجبي تجاههن، أنت لا تعلمي بأننا نقضي الوقت في الأحاديث عن الماضي، وعن كيف كانت أمهاتنا وجداتنا يقطفون الليمون من الشجرة، وكيف يضعونه في سلال كبيرة، وصغيرة، وكيف كانوا يوزعونه على الأهل والجيران، كهدية بداية الموسم، تماما كالرطب أو التمر، وبعضهم ينتظر هذه اللحظات بفارغ الصبر، نحن في الأحساء نقوم بهذا العمل سنويا، منذ عهد سابق وحتى عهدنا، لم ننس ولن ننسى هذه العادات، مهما تطورت الحياة وتقدمت التقنية، وأنتج عصير ليمون جاهز في عبوات، نحن نريد الاستمتاع وهو بين أيدينا يتقاطر حمضا نقيا لونه أصفر كالذهب المصفى.
س: وماذا بعد أن تضعوه في تلك الزجاجات؟
أم عبد الله: نعم سألتيني عن أمر لطالما سأل عنه الكثيرون، نحن هنا في الأحساء نستخدم العصير لحاجات كثيرة، فقد نستخدمه في الطعام كوضعه على السلطات أو الحساء أو الأكل بصفة عامة، بعد أن نضعه في الشمس بضعة أيام يتغير لونه ويتركز طعمه، ويصبح ذا مذاق حامض لاذع فواح، ومنه ما نضعه في الثلاجة، ونضع له السكر، ونستخدمه كشراب بارد يطفئ حرارة الصيف علينا، ونقدمه كعصير لذيذ لضيوفنا أو أبنائنا، ومنه ما نستخدمه لفترات طويلة بعد أن نحوله إلى كتلة شبه صلبة تدعى “الجميد” بعد وضعه لفترات أطول في الشمس، وتحوله لهذه المادة، فيوضع كالمربى في علب صغيرة، ويحفظ لفترات طويلة يصنع منه العصير، ويوضع على الطعام، ولكنه يتميز بنكهة مميزة لا تشبهها أي نكهة أخرى.
س: أحسنتم يا أم عبد الله، وبارك الله في أياديكن، وفي عصارتك المباركة، وفي جاراتك وقريباتك، ووفقكن للحفاظ على هذه العادة في كل عام، وبالطبع أنتم تعلمونها لأبنائكن حتى يتوارثوها ولا تنقطع على مر السنوات.
أم عبد الله: نعم نعم بالتأكيد، هذا ما نحرص عليه دائما، وترين بناتنا يستمتعون معنا في هذا التمل، وحتى أبنائنا الذكور كذلك، فهم ينتظرون موسم الليمون وفعاليات عصره بشغف.
التعليقات 2
2 pings
زاير
2024-09-06 في 1:33 م[3] رابط التعليق
وكل الجراثيم الا في اليد اتروح في الليمون وينقل الأمراض لمن يشربه
فلابد أن يشترط ارتداء قفازات قوية حتى لايتنتقل الإوساخ
الموجودة في اليد الى الاخرين وحتى لايتمزع القفازات بسبب
الليمون
سهام البوشاجع
2024-09-07 في 9:16 ص[3] رابط التعليق
نعم أحسنت