دعا الشيخ حسن الصفار لاستثمار عاشوراء في تعزيز القيم الإيمانية الأخلاقية في النفوس، كقيمة العبودية لله تعالى والالتزام بأمره ونهيه، وقيمة الورع والأمانة والعفة واحترام حقوق الآخرين المادية والمعنوية.
وتابع: وعلى المستمعين والمشاركين في المجالس والمواكب الحسينية ان يفتحوا قلوبهم للموعظة والإرشاد، وأن يقصدوا من مشاركتهم الاستفادة والانتفاع، ليكونوا أقرب إلى الحسين، ولتشملهم شفاعته يوم القيامة.
جاء ذلك في خطبة الجمعة بمسجد الرسالة بمدينة القطيف شرقي السعودية بعنوان: عاشوراء موسم التعبئة للقيم.
وأوضح الشيخ الصفار أن مجتمعات الأمة تواجه تحديات ومشاكل كثيرة على الصعيد الأخلاقي، وعلى مستوى العلاقات الأسرية والزوجية والنزاهة والذمة المالية تجاه المال العام والأموال الخاصة، كما في قضايا المنازعات في الإرث، والمماطلة في أداء الحقوق والديون.
وتابع: أملنا كبير في خطبائنا الحسينين أن يولوا هذه القضايا اهتمامًا أكبر، فلا شيء يسرّ الحسين وأهل البيت ، كإحياء الدين في النفوس وتعزيز القيم في سلوك محبيهم واتباعهم.
وأضاف: إذ نستقبل موسم عاشوراء ذكرى استشهاد سبط رسول الله الحسين بن علي فإن أفضل ما نستفيده ونكسبه من إحياء هذه المناسبة العظيمة، هو التذكير بالقيم الإيمانية الأخلاقية، لإحيائها في نفوسنا، واستحضارها في حياتنا وسلوكنا.
وأبان أن الإمام الحسين إنما ثار ونهض من أجل تعزيز هذه القيم في ساحة الأمة، كما ورد عنه : «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».
وأشار إلى وجود اتجاهين يتصارعان في أعماق نفس الإنسان، من أجل السيطرة على شخصيته وتحديد مساره ومصيره، وهما اتجاه الهوى واتجاه الهدى.
وتابع: الهوى ينبعث من غرائز الإنسان وشهواته، لتلبية رغباته الجسمية والعاطفية، بينما ينبعث الهدى من ضميره وعقله، للاستجابة للتطلعات المعنوية والروحية.
وذكر أن تلبية الرغبات الجسمية والعاطفية أمر ضروري لاستمرار وجود الإنسان وأداء وظيفته في هذه الحياة، لذلك أودع الله في نفسه الغرائز والشهوات.
وتابع: كما أن الاستجابة للتطلعات المعنوية والروحية، هو ما يحقق إنسانية الإنسان وتميزه عن سائر أنواع الحيوان، التي يشاركها في مجال متطلبات الغريزة والشهوة، لكنه يفارقها في إحساسه الوجداني وإدراكه العقلي.
وأضاف: إن الامتحان الكبير الذي يواجهه الإنسان هو قوة ضغط الهوى والشهوة للسيطرة على قراره، وتوجيه تصرفاته وسلوكه، بعيدًا عن هداية العقل والضمير، وعلى حساب التطلعات المعنوية والروحية.
وقال: حينئذٍ يصبح الإنسان عبدًا تسيّره الشهوات، ويصبح الهوى بمثابة الإله الذي يخضع له ويطيعه، بدل أن يخضع لله الذي خلقه وأنعم عليه، وسيكون مصيره إليه.
وتابع: حين يكون الإنسان عبدًا لهواه، فإنه لن يحسب أي حساب لأوامر الله تعالى، ولن يستجيب لنداء عقله، ولا يسمع لصوت ضميره، ولا مكان للقيم والمبادئ في نفسه.
وأضاف: بذلك يتنازل عن إنسانيته، وينحدر إلى مستوى البهائم والأنعام، حيث لا تطلعات لها ولا اهتمامات تتجاوز إشباع الغرائز والرغبات الجسمية، بل إنه حينئذٍ يكون أسوأ حالًا من الأنعام.
ومضى يقول: لخطورة انزلاق الإنسان إلى عبودية الهوى والشهوة، جاءت الرسالات السماوية وبعث الله الأنبياء، وجعل لهم أوصياء، ليذكروا الإنسان بإنسانيته، ويثيروا اهتمامه بالتطلعات المعنوية الروحية، ويوجهونه للالتزام بالقيم والمبادئ في سلوكه وحياته.
وأشار إلى شدّة الحاجة إلى التذكير بالقيم في العصر الحاضر، لأن الحضارة المادية السائدة تسوق الناس سوقًا إلى اتباع الأهواء والشهوات، عبر تعزيز الأنانية في ذواتهم، وتحريض الرغبات والشهوات في نفوسهم، ودفعهم إلى التنافس على المصالح المادية، والملذات والمتع الجسمية والعاطفية.
وتابع: قد تشيع في أوساط بعض الناس تعابير تنسجم مع مسلك عبادة الهوى من دون الله، ودون التزام بالقيم، وقد لا يقصدون ذلك، لكن استخدام مثل هذه التعابير، تطبّع هذا المسلك في نفس الإنسان.
وأعطى مثالًا لذلك: حينما يأمر الإنسان أحدًا بالمعروف وينهاه عن المنكر، أو ينصحه أو يلفت نظره إلى موقف أو ممارسة تخالف الشرع والأدب، يجيب على الفور: أنا حر في تصرفاتي، أو على كيفي، أو هذا لا يعجبني.
مؤكدًا أن الإنسان حر أمام الآخرين، لكنه عبد لله تعالى، ولا يصح له أن يعصي الله استجابة لكيفه ورغبته. كما لا يصح له أن يخالف النظام العام بمثل هذه المبررات.