
تعليق الإضاءة والزينة على جدران البيوت، عادة أحسائية خالصة تتأصل في مجتمع الواحة، وتظهر بقوة في البلدات والقرى وكذلك في الأحياء الشعبية بمدينتي الهفوف والمبرز، تنشر البهجة والفرح وتحول الليل إلى نهار من شدة الإضاءة، فضلا عن تركيب اللوحات التي تحمل عبارات الفرح معززة بصور العريس ووالده والتي كانت تخط في الماضي يدويا على لافتات قماشية، ومع تطور التقنية في يومنا هذا يتم طباعتها على شكل (بنر) بألوان زاهية، تحمل صور العريس ووالده متضمنة أبياتا شعرية تعبر عن المناسبة، تعلق على واجهة بيت العريس، وأحينا يتم تركيبها على ناصية طرقات البلدة.
نظرة اجتماعية
على المستوى العلمي، يؤكد الباحث الاجتماعي عبدالله السلطان، أن الإنسان كائن اجتماعي، لكنه لا يشعر بهذه الاجتماعية إلا إذا تلمس المشاركة والتعاضد ممن حوله، فيجدهم يهتمون به في الأفراح والأتراح، ويؤكد السلطان أن هذه الحالة قد تناولتها العديد من نظريات علم الاجتماع كالتبادلية الاجتماعية والتفاعلية الرمزية، لذلك نجد الإنسان دائما ما يسعى إلى إعلام المحيطين به بحالته، ولا شك أن تركيب شبكة من الأنوار على حائط سكن الشخص دلالة على رغبته في أن يشاركه المجتمع من حوله حالة السرور التي يعيشها وذلك تحقيقا للاجتماعية المتأصلة فيه.
ويشير المواطن محمد قاسم العاشور، إلى أن تركيب الإضاءة والزينة على جدران وأسطح منازل أهالي الأحساء عادة أحسائية لا تزال صامدة رغم الحياة العصرية التي نعيشها في يومنا هذا، مشيرا إلى أن هذه الطريقة القديمة المتوارثة ارتبطت بأفراح المجتمع، ومع مرور الأيام والسنين تحولت إلى دلالة تشير إلى أن هذا المنزل يحتضن الفرح والسرور، كما أنها تعتبر من التجهيزات الأساسية للزواج، مبينا أنها من العادات الاجتماعية التي يتوافق عليها الجميع وباتت جزءا من الأعراس خصوصا في البلدات.
الزمن الجميل
أما المواطن جواد محمد العبدالله، فينوه إلى أن هذه العادة تأصلت لدى أهل الأحساء في الزمن الجميل على حد قوله، حيث تُعلق هذه الزينة على واجهة المنزل وتمتد إلى داخل البيوت؛ حيث يتم تزيين صالة البيت بالبالونات والكورنيش والآيات القرآنية والقماش المطرز، وعبارات التهاني للعروسين، ولافتات ورقية تُكتب على الصحف الحائطية تتضمن كلمات الترحيب بالضيوف الذين يزفون العريس إلى غرفته داخل المنزل مصحوبة بالأهازيج الشعبية، مضيفا إنه على الرغم من التطور والمدنية لا تزال واجهات المنازل تتزين بالإضاءة والأنوار وخطوط الألوان الجميلة التي تواكب الحياة المدنية التي نعيشها في يومنا هذا، لافتا إلى أنه في زمن الطيبين، على حد قوله، يجتمع أقارب العريس وأصدقاؤه وأهالي البلدة أو الحي؛ لمساعدته في تركيب تلك الزينة على جدران البيت، حيث تعلق الزينة قبل موعد الزواج بثلاثة أيام؛ ابتهاجا بهذه المناسبة، ويجد الجميع متعة وسعادة كبيرة يشارك فيها الصغير والكبير.
ويتذكر محمد حسين الأحمد يوم زفافه قبل 35 عاما، حينما ساعده أبناء جيرانه وأصدقاؤه في تعليق الزينة وتركيب الإضاءة «اللمبات الملونة» على منزل العائلة حيث رسمت البهجة على نفوس العائلة والجيران، ومشاركته الفرحة على مستوى البلدة، لافتا إلى أن موعد الزفاف كان كلما اقترب تحول منزل العريس إلى خلية نحل من أبناء الجيران يقدمون خدماتهم التطوعية من باب التكافل الاجتماعي والتي من بينها تعليق اللافتات القماشية التي تحمل عبارات الفرح، إلى جانب تزيين صالة المنزل بالورود البلاستيكية واللوحات الحائطية، مبينا أنه كان زمنا جميلا لم يرحل بكامله، بل تبقى منه القليل ومنه الإضاءة التي لا تزال صامدة حتى هذه اللحظة، مشددا على أنه زمن كان كل شيء له جماله الخاص، متمنيا عودة أعراس المنازل حيث يشعر فيها بحنين الأهل وروعة الاجتماع.